مجموعة من الفتاوى المتعلقة بالعبادات في شهر رمضان المبارك وقد أجاب عليها عدد من أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ. إطعام العاجز عن الصوم سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : رجل مريض مرضا لا يرجى برؤه، ولا يستطيع الصوم، فما الحكم؟ أفتونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين كل خير؟ فأجاب فضيلته بقوله: المريض مرضا لا يرجى زواله لا يلزمه الصوم؛ لأنه عاجز، ولكن يلزمه بدلا عن الصوم أن يطعم عن كل يوم مسكينا، هذا إذا كان عاقلا بالغا، وللإطعام كيفيتان: الكيفية الأولى: أن يصنع طعام غداء أو عشاء، ثم يدعو إليه المساكين بقدر الأيام التي عليه كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه يفعل ذلك حين كبر(1). والكيفية الثانية: أن يوزع حبا من بر، أو أرز، ومقدار هذا الإطعام مد من البر أو من الأرز، والمد يعتبر بمد صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ربع الصاع، وصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - يبلغ كيلوين وأربعين غراما، فيكون المد نصف كيلو وعشرة غرامات، فيطعم الإنسان هذا القدر من الأرز أو من البر، ويجعل معه لحما يؤدمه. السفر من أجل الفطر سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : ما حكم السفر في رمضان من أجل الفطر؟ فأجاب فضيلته بقوله: الصيام في الأصل واجب على الإنسان، بل هو فرض وركن من أركان الإسلام كما هو معلوم، والشيء الواجب في الشرع لا يجوز للإنسان أن يفعل حيلة ليسقطه عن نفسه، فمن سافر من أجل أن يفطر كان السفر حراما عليه، وكان الفطر كذلك حراما عليه، فيجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يرجع عن سفره ويصوم، فإن لم يرجع وجب عليه أن يصوم ولو كان مسافرا، وخلاصة الجواب: أنه لا يجوز للإنسان أن يتحايل على الإفطار في رمضان بالسفر؛ لأن التحايل على إسقاط الواجب لا يسقطه، كما أن التحايل على المحرم لا يجعله مباحا. لم يعلم برؤية الهلال ليلا سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : رجل يقول: إنني في الليلة التي نتحرى فيها دخول شهر رمضان نمت تلك الليلة، ولم أعلم أنه قد دخل شهر رمضان، وبعد خروجي في الصباح تبلغت أن ذلك اليوم صيام، فأمسكت بعد صلاة الفجر قريب طلوع الشمس، فهل صيامي ذلك اليوم صحيح، وهو ليس بنية سابقة قبل الفجر؟ فأجاب فضيلته بقوله: صيامك صحيح؛ لأن النية تتبع العلم، وأنت لم تعلم بأن هذا اليوم من رمضان وأنت نائم، ونيتك كنية كل مسلم، نيتك أنه إن كان غدا من رمضان فأنت صائم، فما دامت هذه نيتك فقد نمت على نية صحيحة، وإن كانت معلقة، لكن تعليق الأحكام وتعليق النيات وتعليق الدعاء وما أشبه ذلك أمر ثابت شرعا، تعليق الأحكام الشرعية بالشروط ثابت، وتعليق الدعاء بالشروط ثابت، وتعليق النيات أيضا مثل ذلك تعليق الأحكام الشرعية. جاءت ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج، وأجدني شاكية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حجي واشترطي: إن محلي حيث حبستني. فإن لك على ربك ما استثنيت(1)» هذا اشتراط في الحكم، الاشتراط في الدعاء قال الله تعالى في آية المتلاعنين: «فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين» هذا دعاء معلق بشرط، وكذلك تقول هي: «والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين» فالدعاء يصح أن يعلق بالشرط، والأحكام الشرعية يصح أن تعلق بالشرط إلا إذا ورد النص بخلافها. هذا المسلم الذي نام قبل أن يعلم بأن غدا من رمضان، نائم وهو معتقد في نفسه وجازم على أنه إن كان من رمضان فهو صائم، فإذا لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، وتبين له أن هذا اليوم من رمضان فهو على صيامه، وصيامه صحيح. تبييت النية في صيام النفل سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : هل صيام الست من شوال ويوم عرفة يكون لها حكم صيام الفرض، فيشترط فيها تبييت النية من الليل؟ أم يكون لها حكم صيام النفل، بحيث يجوز للإنسان أن ينوي صيامها ولو وسط النهار؟ وهل يكون أجر الصيام وسط النهار كأجر من تسحر وصام النهار إلى آخره؟ فأجاب فضيلته بقوله: نعم صيام النفل يجوز بنية من أثناء النهار، بشرط ألا يكون فعل مفطرا قبل ذلك، فمثلا لو أن الإنسان أكل بعد طلوع الفجر، وفي أثناء اليوم نوى الصوم نقول هنا: لا يمكن أن يصح صومه، لأنه أكل، لكن لو كان لم يأكل منذ طلع الفجر، ولم يفعل ما يفطر، ثم نوى في أثناء النهار الصوم وهو نافلة، فنقول: هذا جائز؛ لأنه وردت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك حين دخل على أهله فطلب منهم طعاما، فقالوا: ليس عندنا شيء. فقال: «إني إذا صائم». ولكن الوقت لا يكون إلا من وقت النية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» فما قبل النية فلا يكتب له أجره، وما بعده يكتب له أجره، وإذا كان الأجر مرتبا على صوم اليوم، فإن هذا لم يصم اليوم كاملا، بل بعض اليوم بالنية، وبناء على ذلك لو أن أحدا قام من بعد طلوع الفجر ولم يأكل شيئا، وفي نصف النهار نوى الصوم على أنه من أيام الست، ثم صام بعد هذا اليوم خمسة أيام، فيكون قد صام خمسة أيام ونصفا، وإن كان نوى بعد مضي ربع النهار، فيكون قد صام خمسة أيام وثلاثة أرباع؛ لأن الأعمال بالنيات، والحديث «من صام رمضان ثم أتبعه ستة أيام من شوال». وحينئذ نقول لهذا الأخ: لم تحصل على ثواب أجر صيام الأيام الستة، لأنك لم تصم ستة أيام، وهذا يقال في يوم عرفة، أما لو كان الصوم نفلا مطلقا، فإنه يصح ويثاب من وقت نيته فقط. القيء في رمضان سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : عن القيء في رمضان هل يفطر؟ فأجاب فضيلته بقوله: إذا قاء الإنسان متعمدا فإنه يفطر، وإن قاء بغير عمد فإنه لا يفطر، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمدا فليقض».فإن غلبك القيء فإنك لا تفطر، فلو أحس الإنسان بأن معدته تموج، وأنها سيخرج ما فيها، فهل نقول: يجب عليك أن تمنعه؟ لا. أو تجذبه؟ لا. لكن نقول: قف موقفا حياديا، لا تستقيء، ولا تمنع، لأنك إن استقيت أفطرت، وإن منعت تضررت. فدعه إذا خرج بغير فعل منك، فإنه لا يضرك، ولا تفطر بذلك. فساد الصوم ببعض الإفرازات سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : هل يفسد الصوم ما ينزل من الحامل من دم أو صفرة؟ فأجاب فضيلته بقوله: الحامل لا يضرها ما نزل منها من دم أو صفرة، لأنه ليس بحيض ولا نفاس، إلا إذا كان عند الولادة أو قبلها بيوم أو يومين مع الطلق، فإنه إذا نزل منها دم في هذه الحال صار نفاسا، وكذلك في أوائل الحمل فإن بعض النساء لا تتأثر عادتهن في أول الحمل فتستمر على طبيعتها وعادتها، فهذه يكون دمها دم حيض.