تعقد قمة مكة للتضامن الإسلامي هذا الأسبوع وعلى جدول أعمالها ثلاث قضايا رئيسة: الأزمة السورية وسبل وقف نزيف الدم اليومي فيها، مسألة مسلمي بورما (مينمار) والتمييز العنصري الذي يتعرضون له، والقضية الفلسطينية الحاضر الدائم في قمم منظمة التعاون الإسلامي. وفيما ينشغل العالم العربي ومعه الجزء الأكبر من وسائل الإعلام بتطورات المأساة السورية وإلى حد أقل بمعاناة مسلمي الروهينغا في مينمار تكاد القضية الفلسطينية لا تحظى باي اهتمام رغم بعض المستجدات الخطيرة التي طرأت عليها. فمع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية بدأ كل من المرشحين المتنافسين التسابق للفوز برضا الجماعات اليهودية وأصواتها الانتخابية، فخلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل وعد المرشح الجمهوري ميت رومني الاعتراف بالقدس عاصمة «موحدة وأبدية» لإسرائيل في حال فوزه بالبيت الأبيض. هذه ليست المرة الأولى بالتأكيد التي يعد فيها مرشح رئاسي أمريكي باتخاذ هذه الخطوة الخطيرة، لكن الواضح أن حال الضعف التي تعتري العالم العربي و انشغاله بقضاياه الداخلية قد تشجع فعلا على تحويل هذا الوعد الانتخابي إلى حقيقة. من جهة أخرى، تشكل هذه التصريحات اللامسؤولة مناسبة جديدة للتأكيد على صحة ما ذهب إليه الأكاديميان الشهيران ستيفن والت وجون ميرشايمر في دراستهما الشهيرة «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية». فقد تناولت الدراسة النفوذ الطاغي الذي تتمتع به إسرائيل في دوائر صنع القرار في واشنطن من خلال جماعات ضغطها التي لا تنفك تدافع عن سياساتها بغض النظر عما إذا كانت هذه السياسات تتوافق أو تتعارض مع صميم المصلحة الأمريكية. الباحثان أوضحا أيضا من خلال أمثلة حية أن واشنطن تذهب في كثير من الأحيان ولأغراض انتخابية داخلية إلى ممالأة إسرائيل ولو على حساب علاقاتها مع الدول العربية التي يجب أن تحظى برأيهما بالأولوية من منطلق الحفاظ على المصالح الأمريكية وتخفيف حال العداء للسياسة الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي، وهو ما وعد الرئيس أوباما بفعله في مستهل ولايته الرئاسية. لكن حتى أوباما وجد نفسه أخيرا يرضخ للضغوط الإسرائيلية ويبتلع كل الوعود التي كان أطلقها لتحسين العلاقة مع العالم الإسلامي. فما إن أنهى رومني زيارته إلى إسرائيل حتى أرسل أوباما وزير دفاعه ليون بانيتا إليها للتأكيد على أن بقاءه في البيت الأبيض يخدم مصالح إسرائيل بشكل أفضل، و قد يكون هو الآخر طرح استعداده لتغيير مركز القدس السياسي والقانوني في حال فاز بولاية جديدة. لهذه الأسباب يجب أن يحتل موضوع القدس مكانا بارزا على جدول أعمال قمة مكة الإسلامية، ويجب إرسال رسالة واضحة وحازمة تحذر واشنطن من مغبة الإقدام على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لأن من شأن ذلك أن يثير حالة من الغضب والغليان في العالمين العربي والإسلامي ويعقد العلاقات العربية - الأمريكية أكثر مما هي معقدة أصلا، كما يجب توضيح أن انشغال العرب والمسلمين بأمورهم الداخلية لا يجوز استغلاله لتمرير هذه السابقة الخطيرة. صدور مثل هذه الرسالة عن أهم منتدى إسلامي يعقد في أهم بقعة إسلامية في أهم مناسبة إسلامية (شهر رمضان) كفيل بوضع حد لاستخدام القدس في المزايدات الانتخابية الأمريكية.