ألقت الصحافة البريطانية على قادة الحملة الانتخابية للمرشح ميت رومني مسؤولية الفضائح السياسية التي رافقت رحلته في أوروبا وإسرائيل. ولا شك أن رومني كان سيّء الحظ حين أوقع نفسه في براثن الصحافة البريطانية حين أدلى بتصريحه السخيف عن شكوكه في درجة استعداد الحكومة البريطانية لاستضافة دورة الالعاب الاولمبية. رومني مسؤول قطعاً عن الإدلاء بهذا التصريح وتصريحات أخرى خلال الرحلة، ولكن تشاركه المسؤولية، وربما أكثر منه، قيادات الحملة الانتخابية ومستشاروه الذين لم يلقنوه ما يجب أن يقال ويحذروه مما يجب أن لا يقال. فالرجل لم يكن يوماً خبيراً في الشؤون الدولية والتعامل مع الأجانب، باستثناء الأيام القليلة التي تولى فيها مسؤولية دورة الالعاب الاولمبية في سولت ليك بولاية يوتا. كان واجباً على خبراء من نوع هنري كيسينجر وجيمس بيكر وجورج شولتز، وهم مستشاروه، توجيه النصح له قبل قيامه بهذه الرحلة، وإن كان يقوم بها أصلاً بينما الرأي العام العالمي، والأميركي بخاصة، يركز اهتمامه على الألعاب الأولمبية. أما وأن المرشح نفسه، أو أحد كبار مموليه، وهو في هذه الحالة شيلدون إديلسون صاحب كازينوات القمار في منتجعات عديدة وصاحب الوعد بدفع مبلغ مئة مليون دولار لمرشح الجمهوريين، وضع زيارة إسرائيل شرطاً لدفع هذا المبلغ، فقد كان واجباً على هؤلاء المستشارين، والأمر على هذا النحو، تلقين رومني الأصول الديبلوماسية التي يجب مراعاتها خلال الزيارة، وتوخي الحرص في الإدلاء بتصريحات تلزمه في ما بعد عندما يصبح رئيساً رغم أنها قد تكون مناقضة للتوجهات الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية. كان واجباً أيضاً توجيهه ليفعل مثلما فعل أوباما في حملته الانتخابية قبل أربع سنوات حين ألقى في برلين خطاباً كان له وقع كبير لدى الرأي العام العالمي، وهو الخطاب الذي دشن سمعة أوباما وشعبيته الدولية. لم يلقنوه، ولم تستعد قيادات حملته الانتخابية الاستعداد الكافي لهذه الرحلة. فتحولت الرحلة إلى مسلسل من المهازل، بدأ بتصريحه عن نقص القدرة البريطانية الذي أدلى به قبل أن تطأ قدمه أرض لندن، فانقضت عليه صحف بريطانيا كالجوارح فنهشته نهشاً. وفي إسرائيل أغضب الصحافيين جميعاً، بمن فيهم الصحافيون الأميركيون، حين رفض حضورهم المؤتمر المنعقد لجمع تبرعات «يهودية» لحملته الانتخابية. لم يكفه ولم يكفِ منظمي حملته فضيحة الحصول على تبرعات من أجانب في دولة أجنبية لمساندة مرشح لمنصب رئيس أميركا، فهى بحكم التعريف ستكون تبرعات مشروطة ويتعين على الولاياتالمتحدة الاستجابة لكل أو بعض هذه الشروط خلال فترة رئاسته، بل راح هو وحملته يفرضون التعتيم على المؤتمر حتى لا يسمع الصحافيون شروط المتبرعين وحجم التبرعات. لم يتأخر، على كل حال، في تسديد بعض الدين الذى وعدوه به. ففي اليوم نفسه تطوع بالكشف عن ميوله الشخصية وتوجهاته الأيديولوجية عندما ألقى بتبعة التخلف الاقتصادي عند الفلسطينيين على منظومتهم الحضارية المتدنية إذا قورنت بالمنظومة الإسرائيلية الأرقى والأعلى. وكالعادة هاجت صحف بريطانيا وبعض الصحف الأميركية، وسمعنا، كالعادة أيضاً، بعض الانتقادات الناعمة من جانب قيادات فلسطينية منهزمة نفسياً وسياسياً وأخلاقياً. واللافت للانتباه أن منظمي حملته الانتخابية رفضوا الإجابة عن سؤال يستفسر عن معلومات رومني عن أثر الاحتلال والحصار الإسرائيلي على الحالة الاقتصادية الفلسطينية، وقد يكون الرفض دليلاً على أنهم حريصون على عدم إزالة آثار التصريح العنصري لدى الجمهور الإسرائيلي، بخاصة نخبته الحاكمة وتيارات اليمين وعشرات الألوف من اليهود الذين يؤمنون بالمبادئ العنصرية ذاتها. أهان رومني البريطانيين قبل أن يصل إلى محطته الأولى في الرحلة، وأهان الشعب الفلسطيني مرتين على الأقل، مرة حين استخف بحضارته ومرة حين أعلن القدس عاصمة لإسرائيل، وأهان عقول الكثيرين حين قرر أن يد الله هي التي اختارت هذا الموقع. ولم تأتِ إهانته للفلسطينيين من دون دعم من ادارة منافسه الرئيس باراك أوباما، التي سارعت قبل بدء الرحلة بتخصيص مبلغ سبعين مليون دولار لدعم شبكة الدفاع الصاروخية لإسرائيل وتوقيع اتفاق تعاون تجاري استراتيجي جديد. بمعنى آخر زايد المرشحان على بعضهما لاستغلال كره قطاعات من الشعب الأميركي للشعب الفلسطيني ولصنع حالة متقدمة من كره الشعب الفلسطيني لأميركا والغرب عموماً. الغريب في الأمر أنه ما زال يوجد في الولاياتالمتحدة من يسأل مندهشاً عن أسباب كراهية العرب والمسلمين لأميركا، في الوقت الذي يقف المرشحان للرئاسة الاميركية لتأكيد دعم أميركا غير المحدود لإسرائيل وتوسعها على حساب الشعب الفلسطيني ويعجلان مع إسرائيل في عمليات التهويد وإخلاء الضفة في انتظار تنفيذ وعدهما بجلوس الطرفين على مائدة مفاوضات وإقرار سلام نهائي. نفكر أحيانا، أو يفكر بعضنا على الأقل، في أن القادة الأميركيين لا يشعرون بحساسية تذكر تجاه قادة وحكّام الدول العربية وربما تجاه الشعوب العربية والإسلامية. ودليلنا هو أن المسؤولين الأميركيين لم يعترضوا على تصريحات رومني في شأن مستقبل القدس إلا لأنها «تجعله غير مؤهل لقيادة السلام في الشرق الأوسط». يتحدثون كما لو أن الرئيس أوباما أفلح في قيادة سفينة السلام ولم يخدع الشعوب العربية والإسلامية وحكوماتها طيلة أربع سنوات. الأمر الذي يزداد وضوحاً نتيجة سلوك القادة الأميركيين وتصرفاتهم هو أن أزمة أميركا تتشعب وتتعمق. إذ انه عندما ينقل عن الرئيس البولندي تساؤله بسخرية عن الجهة التي وجهت الدعوة للمرشح ميت رومني لزيارة بولندا، يحق للمتشككين الدعوة لإعادة النظر في القول بأن أميركا ما زالت تقود الغرب وأنها تحظى هي ورؤساؤها وقادتها باحترام قادة الدول الأجنبية. أمامنا، وأمام العالم بأسره، حقائق دامغة ترفض هذا القول أولها وأهمها أن أميركا تمر بأسوأ وضع اقتصادي منذ أزمة الكساد العالمي وأنها إذا كانت تقود فهي تقود العالم الرأسمالي إلى كارثة. لقد تابعنا المرحلة الأخيرة من انتخابات الرئاسة، ولعلها أخطر المراحل، ومع ذلك لم يصل إلينا بعد ما يشير الى أن لدى أوباما أو رومني أو من دخلوا السباق الجمهوري الجرأة ليقدموا حلاً لأزمة أميركا الاقتصادية ووقف النزيف الاجتماعي. الأدهى أن ما يحدث في حملة الانتخابات الرئاسية يعكس حالة بائسة من العمل الديموقراطي، إذ وجدنا المرشحين الأساسيين ينشغلان كل ب «تتفيه» المرشح الآخر والتركيز على سلبياته والتوقف الكامل تقريباً عن تقديم حلول لمشاكل المجتمع. اكتشف أوباما مثلاً أن رومني يفتقر الى الشعبية فجعل حملته الانتخابية تركز على تضخيم سلبيات رومني. رومني فعل الشيء نفسه مع أوباما وهكذا تحولت المعركة الانتخابية الى سباق لكشف السلبيات تلخصها عبارة «أنا سيء ولكن منافسي أسوأ مني». يذكرني هذا الوضع الذي تردت إليه الانتخابات الرئاسية الأميركية بالانتخابات الرئاسية الاخيرة في مصر حين راح الناخبون يصوتون لمرشح لأنهم لا يريدون المرشح الآخر. أنا الآن حين أسمع أن أوباما يتقدم على رومني في استطلاعات الرأي أزداد اقتناعاً بأن المواطن الأميركي إذا أيَّد أوباما فلأنه يدرك جيداً أن رومني فاشل جداً، وليس لأنه يعتقد بالضرورة أن أوباما حقق إنجازاً أو لديه حلٌّ للمشكلة الاقتصادية. * كاتب مصري