مطلب يرفعه الكثير من عملاء البنوك إلى معالي محافظ مؤسسة النقد، ويأملون فيه أن تبادر المؤسسة إلى إعادة النظر في الآلية التراكمية التي تنتهجها البنوك الوطنية في احتساب العمولات، التي تتقاضاها مقابل مختلف أنواع التمويل، حيث تقوم بنوكنا بإجراء استثنائي هو احتساب الفوائد بشكل تراكمي، على كامل مبلغ القرض طوال مدة السداد وبصرف النظر عن المبالغ التي يقوم العميل بتسديدها شهرا بعد آخر. ما سبق هو وضع خاص يندر أن تحظى به المؤسسات المالية وشركات التمويل في معظم دول العالم، وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك خاصية أخرى هامة يمكن اعتبارها من أبرز ما ميز أداء البنوك السعودية خلال العقود الماضية، وأقصد بذلك ارتفاع معدل عمولات التمويل بواقع عدة نقاط مئوية تزيد عن معدلات العمولة بين البنوك في السوق المصرفية، وإن شهد معدل تلك العمولات تراجعا ملموسا في السنوات القليلة الماضية نتيجة لاحتدام المنافسة بين الممولين، وقرب صدور أنظمة الرهن العقاري التي طال انتظارها قبل أن ترى النور مؤخرا. ونظرا لأن بند العمولات يسيطر على النسبة الأكبر من هيكل إيرادات المؤسسات المالية، فقد أدى ذلك إلى تفرد بنوكنا بوضع استثنائي فريد من نوعه هو ارتفاع معدلات الربحية مقارنة برؤوس أموال البنوك، لذلك فلم يعد غريبا أن يحقق بنك وطني ما صافي دخل خلال عام واحد يتراوح بين 25% إلى 50% من رأسماله. ومن المؤكد أن ثمة أسبابا موضوعية لذلك الوضع الفريد الذي تتمتع به البنوك الوطنية على مدى عقود من الزمن لسبب جوهري، يتمثل في ارتفاع مخاطر الائتمان نظرا لغياب بيئة نظامية تتيح للبنوك رهن الأصول العقارية مقابل الإقراض ، الأمر الذي يمكنها من استرداد أموالها عبر تسييل الرهون في حالات التعثر. كما عزز ذلك امتناع كتابات العدل من إجراء الرهون لصالح البنوك لما قد يصاحب طلب الرهن من تجاوزات شرعية أو نظامية تمنعها أنظمة الدولة أو لعدم جاهزية قوانين وإجراءات التقاضي أو عدم تجاوب بعض منسوبي الهيئات القضائية مع البنوك؛ باعتبارها مؤسسات مالية لم تكمل بعد تكييف منتجاتها وخدماتها لتتماشى مع الضوابط الشرعية. وبصدور المنظومة الأخيرة للرهن والتمويل العقاري تصبح البنوك الوطنية أكثر اطمئنانا على تحصيل ديونها، وبالتالي زيادة طاقتها في تدوير أصولها القابلة للإقراض مع تقليل المخاطر الائتمانية، وهذا بدوره سيؤدي إلى ارتفاع قدرتها على تعظيم الأرباح لحملة الأسهم، الأمر الذي يصبح معه إعادة النظر في آلية احتساب العمولات من تراكمية إلى متناقصة هو أمر جدير بالدراسة. وثمة أبعاد أخرى للموضوع أولها هو حقيقة أن الشباب دون سن الخامسة والعشرين يشكلون الملمح الأبرز على التركيبة السكانية في المملكة مع ما يعنيه ذلك من طلب متنام على التمويل العقاري وبالتالي ضمان سوق رائجة لمنتجات عقارية تحظى بطلب كبير. أما البعد الآخر فيتعلق بتحسين الصورة الذهنية لمؤسساتنا المالية التي توجه إليها العديد من الانتقادات التي تتركز حول ما يعتقد بأنه محدودية في إسهاماتها لخدمة المجتمع رغم ضخامة أرباحها وعدم اضطرارها في أحيان كثيرة لدفع عمولات مقابل الودائع -حتى بعد أن ازدادت مبادرات البنوك في طرح برامج وخدمات تستهدف شرائح اجتماعية معين - وعليه فإن تغيير هيكلية العمولات سيسهم بشكل عملي في بناء صورة إيجابية عنها لدى الرأي العام. وأخيرا.. فإن هناك بعدا لا يقل أهمية هو الدور الوطني للبنوك في مجال دعم التنمية الاقتصادية من خلال المساهمة في حلحلة أحد أكبر التحديات الوطنية وهي أزمة السكن التي من المتوقع أن تشهد انفراجة كبرى مع بدء تنفيذ الأنظمة الجديدة لذلك فإن اعتماد مبدأ العمولات المتناقصة بدلا عن الأسلوب التراكمي من شأنه أن يؤدي إلى خفض كلفة التمويل وزيادة الإنشاءات في القطاعين السكني والتجاري وبالتالي زيادة المعروض وانخفاض الإيجارات وتراجع الضغوط التضخمية من الاقتصاد باعتبار أسعار وإيجارات المساكن أحد أبرز عوامل التضخم في المملكة. وأختم مع حقيقة أنه من الصعوبة بمكان على البنوك التنازل عن الأسلوب المتبع منذ سنين في احتساب العمولات لما يترتب على ذلك من انخفاض الأرباح، ولكن على المديين المتوسط والبعيد سوف يجني البنك الذي يبادر إلى ذلك فوائد توجه من هذا النوع بتحقيقه رياده فعلية ومستحقة سيستشعرها المواطن الذي يعاني الأمرين من ارتفاع تكاليف التمويل، وسوف يستحوذ البنك المبادر على حصة سوقية أكبر في سوق متنامية تلامس حاجة أساسية للأفراد والأسر كما سيكون بمثابة القاطرة التي تقود صناعة الخدمات المالية في المملكة. وتبقى كلمة (ساما) هي المحرك الأخير لهذا المقترح.. فهل تفعل؟ *كاتب اقتصادي ونائب رئيس لجنة الاتصال والعلاقات العامة بالغرفة التجارية الصناعية بجدة