درجت التكتلات الإقليمية والدولية المعاصرة على اعتماد السياسات الوقائية إزاء الأخطار المتوقعة على كافة المديات الزمنية القريب منها والمتوسط والبعيد، لذلك نجدها تنشئ الهيئات الاستشارية من كافة الاختصاصات الحيوية وخاصة في مجالات الأمن والسياسة والاقتصاد من أجل وضع الدراسات العلمية المرفقة بتوصيات وإرشادات لأصحاب القرار في تلك التكتلات، فلا تنعقد أي قمة من تلك القمم إلا وتكون تلك النتائج والتوصيات في صلب القرارات المتوقع إصدارها، من هنا نلمس النجاحات النسبية لهذه السياسات. وبخصوص مجلس التعاون الخليجي فأكاد أجزم أنه كان الإنجاز العربي الجماعي اليتيم خلال العقود الماضية رغم سبق وجود مؤسسات جامعة الدول العربية ومحاولات إنشاء تكتلات عربية في المشرق والمغرب. وبناء على هذه التجربة الناجحة سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا في عدد من المحطات الفاصلة لا سيما خلال حربي الخليج الأولى والثانية، والأزمة المالية العالمية، أخيرا إدارة ملف الأزمة النووية الإيرانية والمخاطر المتوقعة على دول الخليج، وعليه فإن مقترح الانتقال إلى مرحلة الاتحاد بين دول الخليج، يستند أساسا إلى النجاح اللافت في مرحلة التعاون، ولهذا فهو يأتي كمسار طبيعي ويحتمل في طياته عوامل الإنجاز والتحقق، باعتباره أن ينبع من تجربة ناجحة سابقة ولا يهرب عبر القفز في المجهول كما تفعل بعض الكيانات والدول في عالمنا المعاصر، فتكون النتيجة مزيدا من التعثر وولوجا في مسارات الانحدار الذي قد يبطئ وقد يتسارع لكنه لا يعود إلى الصعود مجددا، لأن الانتقال من مرحلة إلى أخرى قبل نضوج الظروف والعوامل الداخلية والخارجية يفضي إلى ما هو معاكس تماما. من هنا، فإن دول مجلس التعاون أمام هذا الاقتراح الجريء من جانب الملك عبدالله هي أمام مفترق طرق تاريخي، وما ستقرره في هذا المجال سيكون له تأثيرات عميقة في تطور المنطقة وأمنها واستقرارها ورفاهيتها وازدهارها ونموها، وما على الدول الأعضاء إلا أن يراجعوا ما أنجزوه خلال العقود الماضية والتي لا يستطيع أحد تجاهلها، من أجل اتخاذ الوجهة الصحيحة العاقلة والمبنية على الدراسات والإحصاءات. والمقصود أولا وأخيرا من عملية الاتحاد الخليجي الذي لم يعد مطلبا شعبيا خليجيا بل هو خيار استراتيجي، ليس إلغاء الخصوصيات التاريخية لشعوب الخليج العربي ولا المساس بالمصالح المكتسبة لدول المنطقة، ولا التفريط بحزمة العلاقات والسياقات الإقليمية والدولية التي أنجزتها كل دولة على حدة في مسارها كدولة ذات سيادة، بل على العكس هو الصحيح، أي العمل على مراكمة تلك المنجزات والتكامل فيما بين الخصائص والمميزات لكل دولة من كل النواحي، وبهذا فقط يكون الاتحاد قد حقق أغراضه كاملة. ولهذا فإن القمة التشاروية ستولي اهتماما كبيرا لصياغة الأفكار الرئيسية لمشروع الاتحاد الخليجي لأنها تعلم جيدا أن في الاتحاد قوة خاصة في ظل الأمواج العاتية التي تمر بها المنطقة والتي تتطلب تعزيز التكامل بين دول الخليج.