كان الابن الوحيد لأب يتفجر حنانا وحبا وبرا.. وأما ليس لها غير الدعاء لابنها حتى يغار منه أبوه.. (ولكنه يقول آمين..) كانا يتلقيانه ساعة وصوله ودعواتهما تلاحقه.. يزدان البيت بالعود والنظافة لاستقباله وكأنه ضيف جديد.. جمال علاقة.. ومحبة.. وعين تدمع فرحا.. وابتسامة مع ترحيب.. ياهلا.. أهلا.. أهلا.. ينتقي كل يوم آية قرآنية.. أو حديثا نبويا.. أو مثلا شعبيا.. أو طرفة.. يتبادلون الأحاديث حول ذلك.. بعد أن أشبع الموضوع بحثا.. وتحرى كل جوانبه بإتقان.. لأن الأسئلة التي ترد كثيرة.. ارتفع مستوى الثقافة كثيرا بهذه التداولات اليومية.. فكانت تلك الساعة التي يلتقون فيها.. أمتع ساعات العمر لهم جميعا.. يمتلك عفوية هادئة وفكرا عقلانيا.. وتوازنا عاطفيا واستقرارا نفسيا.. في إدارة حياته وأسرته وأصدقائه.. بدأ ساعة اليوم قائلا: أتاني صديقي وزميل دراستي.. الذي يتوافق معي رأيا وقولا وتصرفا.. تجمعنا مودة واعتزاز ومحبة.. أتى وقد فقد كثيرا من قوته الصابرة المجاهدة فهو متماسك.. تصيبه السيئة.. فيقابلها بالحسنة.. ويبتلى بالنكران.. فيقابله بالوفاء.. ويكره البغض.. ويقابله بالحب.. قال.. ذكرني أحدهم بكلمات فيها افتراء وبهتان وادعاء وكذب.. وقد ذكر لي ذلك أحد الحضور من أصدقائي.. فتحريت وثبت عندي ماقاله من بعض الذين كانوا موجودين.. بماذا تنصحني أن أفعل؟ فإني في حيرة من أمري.. ليس ضعفا.. لكنه نشأة وتربية وتوجيها.. وربما لم أواجه ذلك من قبل.. وقد اخترتك للنصيحة وسأعمل بها.. قال الأب بلهفة: ماذا قلت له ؟ قال الابن: قلت له : يا أخي لم يسلم نبي الأمة من الأذى.. يا أخي (من صبر وغفر فإن ذلك من عزم الأمور ) كن من الذين هم عن اللغو معرضون والذين إذا ما غضبوا هم يغفرون.. انس ولا تتألم.. واحسن ما استطعت.. فقوة التسامح أقوى من قوة الانتصاف.. ثق بالله فمن يحيا بالثقة تحييه الثقة.. امتلأ قلبه سكينة وطمأنينة .. ذكر الله وصلى على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.. وجد طهارة قلب.. فتبدل حزنه سرورا.. قال الأب: إن لم تزد على الدنيا خلقا ورحمة وتسامحا..كنت أنت زائدا عليها.. قالت الأم.. بعين يبرق جمالها إعجابا: ما يبقى إلا الجميل يا ولدي.. ( كن جميلا ترى الوجود جميلا ).. فاكس:6514860 [email protected]