لم تعد الكتابة فعلا نخبويا كما كانت من قبل. ففي زمن التغريد والتواصل عبرالتقنية عند لحظة ولادة الفكرة، تحولنا من الصمت إلى الصراخ ومن الشفاهية نحو الكتابة ومن المطولات نحو النصوص القصيرة في الجدارية الرقمية الكونية. نكتب في أحيان كثيرة من موقع العدم فما جدوى الحرف عندما يرتطم بجدار الصمت والتجاهل. المفارقة أننا نتغافل عن واجبنا الأخلاقي والعملي ونقفز إلى واقع افتراضي نبنيه من الكلمات نجد فيه بعض السلوى! يتساءل القارئ الذي ارتفع سقف طلباته وتعددت خياراته عن سبب عجز الكتابة في التحفيز على التغيير الإيجابي فالأخطاء تتكرر والخوف من المستقبل المجهول يتزايد. قد تكون هذه النظرة موغلة في التشاؤم لأن الواقع يشهد انفتاحا غير مسبوق ووعيا متقدما بقضايانا المحلية والتحديات التي تواجهنا رغم النزق الذي يطفح في خطابنا بين حين وآخر والضيق الذي نمارسه ضد بعضنا البعض وإن تزيا بعباءة الحوار ولبس قبعة الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية. أصعب سؤال على الكاتب يتعلق بدافعه للكتابه بغض النظر عن مدى جدارته واستحقاقه أن يحتل حيزا في فضائها الرسمي أو الجماهيري. المسألة الجوهرية هي درجة تفاعلنا مع ما يطرح من قضايا عادلة تلامس احتياجات المجتمع وترك الانشغال بخلفية الكاتب الاجتماعية والثقافية والمهنية. في وسط هذا الركام، يفرض بعض الكتاب على المتلقي الاحترام ويملؤونه بالأمل والطموح ويحفزونه على العمل بحس وطني أصيل، متحملين مسؤولية الكلمة الصادقة بلا مواربة في عصر يحتم علينا مواجهة الحقائق قبل أن تأتي من خارج السياق وتوظف ضد مصالحنا. أخيرا، أجمل القصص هي تلك التي لم تكتب بعد، وأروع الحكايات هي تلك التي لم ترو بعد، فهل نستطيع استنطاق المزيد من النصوص غير المقولة التي يتربص بها الرقيب الداخلي ونحولها إلى مشاريع ترتقي بواقعنا وتضمن مستقبلا أفضل للأجيال القادمة. * أكاديمي وكاتب