إنه شاب في العشرينات من العمر، يجول فكره ليلا ونهارا بين أماني ومخاوف، إن أحسن أمانيه أن يتيسر له الزواج ويقر في روضة الزوجية، لكن مخاوف العجز المالي وإن شئت قل العوز الذي يكدر سرور صدره كلما برق فجر الأماني في خاطره، يقول الشاب: إن لي الزواج وأنا في بداية حياتي الوظيفية، ثم لو اقترضت أموالا فهل لي قدرة على السداد؟، وأخشى مرارة الديون، وربما أعجز عن السداد في ظلال راتب لا يتجاوز خمسة آلاف ريال. استشارني الشاب في خجل، وسرد أخباره وأفكاره، فقلت له: تزوج يا بني فإن في النكاح غنى ستجده يقينا، قال: سبحان الله وكيف يا شيخ؟، قلت: يا بني إنه سبحانه وعد من طلب النكاح بالغنى، قال سبحانه وتعالى: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم). وهذا حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما يفسر هذه الآية فيقول: أمر الله سبحانه بالنكاح ورغبهم فيه وأمرهم أن يتزوجوا أحرارهم وعبيدهم ووعدهم في ذلك الغنى، فقال: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله). ويقول الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى، ثم تلا هذه الآية. ويقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ابتغوا الغنى في الباءة، وفي لفظ: اطلبوا الفضل في الباءة وتلا هذه الآية. ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: التمسوا الغنى في النكاح. ومضيت في حديثي مع الشاب مبشرا له فقلت: يا بني قد قرأنا الآية ثم سمعنا تفسير علماء الصحابة لها، يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرك وهو الذي لا ينطق عن الهوى بأنه الله سبحانه سيعينك إذا ابتغيت النكاح، فقد روى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عونهم الناكح يريد العفاف)... الحديث. وقد يسأل سائل فيقول: إنه من حيث الواقع فإن الشاب الذي يتزوج وهو فقير يزج بنفسه في أزمات الفاقة، فكيف يكون زواجه وهو فقير سببا في سعة رزقه؟، فأقول: إن من كرم الله أنه جعل لسعة الرزق أسبابا كثيرة من أخذ بها أو ببعضها زاد رزقه، ومن رحمته سبحانه أنه يجعل من ثواب المصدقين بوعده تفضله بحسن الجزاء لهم بكريم ما وعد. هذه بشائر بشر الله بها الشباب المسلم وبشرهم بها رسوله عليه الصلاة والسلام، فجدير بنا أن نعضد بها شبابنا، ونثبت قلوبهم، وتكون هذه البشائر بلسما يزيل مخاوفهم ويذهب همومهم ويعينهم على طلب النكاح الذي به تحقق مصالح دنيوية وأخروية. * المشرف العام على الدعوة والإرشاد في المدينةالمنورة وخطيب جامع الخندق.