عندما نتحدث عن المثقف أو عن أي موضوع آخر يجب أن نأخذ بالاعتبار العامل التاريخي أو المرحلة التاريخية وبالتالي وعندما نتحدث عن أوائل القرن العشرين وما قبل ذلك فيجب أن ندرك أن نسبة الأمية كانت مرتفعة وكان المثقف أو المفكر والعالم يعتبر حالة قليلة ممثلا في طه حسين في العالم العربي أو هيجل وسارتر أو جان جاك روسو أو كانت أو فولتير في أوروبا، هؤلاء كانوا يؤسسون لأشياء جديدة ومفاهيم جديدة وقيم ومبادئ فكرية وسياسية جديدة، لقد كان المثقف في الماضي هو المصدر الوحيد، حاليا لقد تعددت مصادر المعرفة ولذلك انخفضت نسبة الأمية بشكل كبير وبالتالي اتسع منجم الطبقة المثقفة بشكل كبير. وبالتالي إذا أردت أن تتكلم عن الطوباوية في هذا الإطار فينبغي أن نميز بين حالتين، إذ أن معنى الطوباوية هو أن نحكم بشيء غير قابل للتحقق على أرض الواقع الحلم، من ناحية ثانية هو أن نحلم بشيء يبدو أنه غير قابل للتحقق في مرحلة تاريخية معينة، لكنه قابل للتحقق في مرحلة أخرى، فالطوباوية بهذا المعنى قد تعبر عن معنى سلبي بينما الحلم هو على العكس من ذلك. أحيانا يوصف شخص بأنه طوباوي بهدف إلغاء حقه في التعبير عن الحلم الذي يتطلع إليه ولتقييد حرية الفكر، ومثال ذلك المفكر المغربي عبدالله العروي عندما وصف الفقيه بأنه يتعلق بطوباوية الخلافة ولم يصفه بالانتهازية وأن هذا الموقف من السلطة السياسية لأنه يتميز بالطوباوية وليس بالانتهازية ذلك أن الفقيه يقبل بالواقع السياسي القائم ويبرره لكنه يتطلع إلى الخلافة بمعناها الحقيقي في حين أن الخلافة بهذا المعنى، حالة استثنائية في التاريخ الإسلامي غير قابلة للتطبيق مرة أخرى. وما يسمى بمثالية المثقف هي حالة نسبية قد تكون صحيحة في حالة معينة وفي مرحلة معينة قد تكون غير مثالية في مرحلة أخرى، لكن وصف المثقف بالمثالية قد لا يكون صحيحا وإنما هو مجرد حرب سياسية على المثقف، إن وصف المثقف بأنه طوباوي ومثالي غير صحيح على إطلاقه إذ لا بد للمثقف أن يكون لديه حد أدنى من الحلم والخيال وقبل ذلك وبعده أن يتمتع بدرجة كبيرة لأن المثقف يعبر عن ضمير المجتمع وليس عن السلطة السياسية بعينها وليس هناك تناقض بين الانتماء للدولة والاستقلال الفكري والسياسي. الدولة هي الحكومة وهي الفرد وهي المجتمع وهي التاريخ وهي الجغرافيا بينما الحكومة هي فقط التجسيد الدستوري والقانوني للدولة. الحكومة تمثل الدولة ولكن لا تختزلها وبالتالي عندما يستقل المثقف عن الحكومة فهذا يعني الخروج من الدولة ولا يعني استقلاله عن الدولة لأن الانتماء للدولة هو الانتماء للكل للشعب والتاريخ والجغرافيا. الدولة هي لب العقلانية وملتقى العقلانية الدولة تنمي حياة الناس.