لم يكن الخوف في يوم من الأيام بوجه واحد فهو في هذه الحياة بوجوه عدة. ومن أهم هذه الأوجه الخوف من المجهول وليس من الغول إذا كنت قد وجدت نفسك فجأة أمام غول وأنت لاحول لك ولا قوة .. وفناننا الكبير طلال مداح رحمه الله كان من أكبر الخوافين من المجهول ومن الغول لأنه كان يخشى ويخاف محبيه «الجمهور» في الحفلات وفي مسرح التلفزيون عندما كنت أقدم برنامج مسرح التلفزيون في مطلع سبعينيات القرن الميلادي الماضي، وهذا العامل لعمري ما هو إلا أحد سجايا ومزايا الفنان الكبير والأصيل. والذي أعرفه أن الفنان الراحل طلال مداح ظل طوال عمره يعيش هذه الحالة في كل مرة يلتقي فيها بجمهوره المحب، وهذا ما أعتقد أنه شأن الفنانين الكبار من جيل الرواد في الأغنية وجيل طلال والذي تلاه بينما كثيرون من الذين دخلوا الحياة الفنية بعدهم تجده وقد حمل عوده ووسد فخذه به وبدأ يغني دونما اهتمام بالجمهور وليس الإحساس بالخوف منه. ومما تختزنه ذاكرتي أنني في بداية السبعينيات الميلادية كنت أريد طلال مداح للمشاركة في مسرح التلفزيون وكان يتهرب من المشاركة في تلك الفترة لتسيد طارق عبدالحكيم كفنان كبير ونجم غناء على المسرح. فأنهك طلال الخوف من الجمهور والغناء على المسرح واختفى فذهبت إليه والراحل خالد زارع وكان يومها عراب فن الأغنية ونجومها إلى بيته في الكيلو 10 طريق مكة ورغم ذاك اختفى وحاول «زحلقتنا» ولكني قلت لأم عبدالله .. أخرجيه أريده للأهمية. فطرح أمامه خيار أن يشارك معنا في مسرح التلفزيون فوافق شريطة أن لا يكون معه في الحلقة. ضمنت له ذلك ولكن وقبل أن يجيء طلال رفقة لطفي زيني إلى المحطة كان طارق عبدالحكيم قد فاجأني بوجوده وإجراء البروفة مع الفرقة دون تنسيق معي الأمر الذي أخافني على مشاركة طلال الذي اشترط عدم مشاركة غيره سيما أنه كان يعرف ماذا يعني وجود طارق أو عبدالله محمد على المسرح. وبالفعل أصبحت أتابعه بعيوني وطارق يغني وهو يحاول الهرب إلا أنني احتجزته وأصررت أن يغني وكان ليل غناء طلاليا على مسرح التلفزيون لم يسبق له مثيل.