للوقت قانونه الخاص مع من تعيش معه بوجدانك، مع من بقي قويا في ذاكرتك لم تستطع الساعات ولا الأيام ولا حتى سنة من الزمن إخفات بريقه أو روعته داخل حنايا الروح، عندها تعلم أنه ذلك «القرين» الذي رافقك على مدى سنوات من البحث والقراءة والتأمل ومن بعدها الكتابة ذلك الحصان الجامح مع شاعر بحجم وروعة «محمد الثبيتي». كنت أشعر أنني ما إن أنتهي من بحثي عن «الثبيتي» حتى ألملم أوراقي وأنهي المناقشة بإهدائه لي درجة الماجستير ثم أمضي وحدي! ما كنت أعلم أن محمد سيبقى هناك في الذاكرة والوجدان، أمضي معه بشخصياته تلك والتي خلقت عوالم لا تنتهي من الدهشة والفرح والألم والحزن على مبدع ظل هناك في الصحراء يرى فيها ما لا نرى! فقد استنطق محمد الثبيتي الكثير من الشخصيات التاريخية والأسطورية التي تتمتع بحضور كبير في ذهن ووعي المتلقي، وقد تباين تعامله مع هذه الشخصيات، فمنها ما جعله قناعا وتحدث بلسانه ك(عراف الرمال) ومنها ما ظل يسير بموازاة صوت الشاعر، فالثبيتي صانع شخصيات تميزت بالثراء من حيث إنها شكلت محركا للرؤية، في عالم اختلطت به الرؤى ليظل الشاعر أو المبدع هو الفاعل والمحرك الأساس في تشكيل الفكر الإنساني وهو ذلك الدور الذي استكثره الكثير على محمد وصحبه فدارت رحى «مؤامرة الصمت». لم يعش محمد واقعه فقط كان يعرض الوجود على شاشة وعيه، يحصي أماكن الألم والوجع مفصحا عن وعيه الذاتي بالعالم الكئيب في نظره، فتلتصق بذاته الأشياء ليقدم رؤية شعرية، التي حاربه كثيرون عليها، يتهمونه تارة ويقصونه مرات، ولكنه يظل محمد الثبيتي باقيا وحاضرا في ذاكرة وطن رسمه محمد الثبيتي من هناك من مرابع بني سعد تلك الأرض التي سار عليها أفضل الخلق ورضع منها الفصاحة والبلاغة، من هناك بدأ محمد الثبيتي «ترتيلة البدء»! ومحمد الثبيتي لا ينفك يستحضر الصحراء وطنه وعشقه الأول الذي رأى فيها المرأة والوطن والعشق، ولا أنسى صوته الأجش عندما حادثته المرة الأولى والأخيرة عن تلك الحبيبة في قصيدته قرين عندما أبدع فقال: لي ولك .. نجمتان وبرجان في شرفات الفلك .. ولنا مطر واحد .. كلما بلل ناصيتي بللك. عندها رد «إنه الوطن يا منى» هذا هو محمد الثبيتي، عاشق الوطن حتى الثمالة «فسلام عليه سلام عليه».