لم تكن اللحظات الأخيرة من عمر الشاعر الكبير محمد الثبيتي سوى إشارة واضحة لأفول مرحلة شعرية عظيمة تجلت في إبداع متفرد، وتجريب متمرد، تجتر إرثا من المعاني والأخيلة والعوالم الشعرية التي تحمل روح الأصالة وحداثة اللغة الجديدة المتماسكة. لقد كان له قاموسه الخاص، ولغته الاستثنائية، وشاعريته المنذورة لكل ما هو أخاذ وباذخ الجمال، الممهورة بصوته الأجش، المنبعث من بطاح مكة، برائحة بساتين الطائف ونكهة الرمال المعتقة في أوردته شيحا وريحانا وجدائل عشق. رحل الثبيتي بعد أن خلف منجزا شعريا سيبقى للتأريخ والإنسان والوطن، لقد انحاز سيد البيد للشعر وأخلص له، وكرس حياته للجمال والتقاط الصور التي تحمل الإدهاش، ونأى بغنائه الشعري الفاتن عن كل الأصوات الناقدة والحاقدة؛ ليشتغل بصدق على تجربته بحساسية الفنان، ونزق المبدع. وميزة الفنان الحقيقي ممن هو من سلالة الثبيتي أنه يستعصي على الموت والفناء، على الأقل من الذاكرة الإنسانية. فما زالت قصائد المتنبي، ولوحات فان جوخ، وموسيقى بيتهوفن، وبكائيات عبد الحليم حافظ، وجداريات درويش، وأوتار بليغ حمدي، و... و.... و... وقائمة طويلة، وقاعدة عريضة من الغيوم التي ما زالت وستظل تمطر شعرا وفنا وياسمينا على امتداد الحياة الأبدية البيضاء. امتزجت في حياة الثبيتي علامتان فارقتان لمستهما عن قرب، الأولى إبداعه الشعري، وهذا ما هو معروف ومألوف لدى ملايين من المتابعين والمهتمين، والثانية الجانب الإنساني الذي يغتسل به هذا الرجل، وحبه وحرصه على الأصدقاء بشكل حميمي يحيله في كثير من الأوقات وهو سيد الأوقات إلى كائن تحتشد في داخله كل أطفال الدنيا، بوجه بشوش وقلب يغسل العالم بالتسامح والحب. ***** لك الله يا سيد البيد.. فمنذ تغشتك حمى الرمال.. و(بوابة الريح) منذورة للغياب! ونحن نلوذ بصمت مهيب ونتلو على جبل النور : سفرا من البينات ، تمائم عشق مناجاة معتقة بالدعاء .. وخاشعة في مقام المغيب