لكل وجه في حياتنا قصة تختبئ في ركنٍ قصي، ولكل قصة منفعة من نوع مغاير.. تحمل مذاقاً مختلفاً. قد يدفعنا فضولنا الإنساني وتوقنا للالتحام بالآخر صديقاً كان أو زميلا أو حبيباً، لاستقصاء كل ما يتعلق به من حقائق خفية، وقد تلقي الحياة بتلك الخفايا على وجوهنا واحدة تلو الأخرى دون رحمة.. ودون سابق إنذار! حينها نؤمن بأن للجهل جانباً مشرقاً في أحيان كثيرة، فهو يسمح لعجلة الحياة الاجتماعية بالدوران بكل سلاسة، خاصة لأولئك البشر الذين يحملون في صدورهم قلوباً مرهفة.. هل بالغت؟ ربما! إذن إليكم القصة. «رامز» هو إعلامي شاب يغار الجمال من بهاء طلته، وتستقي كتب الإبداع من إنجازاته قصصاً لا نهاية لها، عيبه الوحيد –الظاهر- يكمن في أنه غامض، فلم يكن أي من زملائه أو زميلاته على علم بما يخص حياته الشخصية أو الاجتماعية، فهو قليل الكلام.. كثير الابتسام.. مبادر لتقديم المساعدة لمن يحتاجها. التقى بزميله المستجد «هاشم» ذي القلب المرهف، والذي رافقه على مدى أشهر في دورة تدريبية. كان هاشم شاباً خلوقاً، شغوفاً بالعلم واجتماعياً لأبعد الحدود. كان مغتبطاً بالصداقة التي كانت في طور التكوين بينه وبين رامز، وكيف لا يفعل.. ألم يكن رامز أنموذجاً يحتذى به! لكن ومع ذلك، لم يفهم هاشم سبب غموض رامز، وعلاقاته المحدودة والسطحية مع من حوله من الزملاء، ولم يسبق له أن دعاه لمنزله أو حتى لتناول الطعام في أحد المطاعم! حاول كثيراً أن يقترب منه لكسب تلك الثقة التي كان يعتقد بأنها سبب تكتم صديقه على كل ما يتعلق بحياته.. لكنه لم ينجح.. فاستسلم لتلك العلاقة التي جمعتهما داخل إطار العمل في مكتبهما المشترك. في صبيحة يوم حزين، دخل هاشم المكتب وألقى التحية على صديقه الذي ردها مرتبكاً ومتفاجئاً من حضوره في يوم عطلته! وما كان منه إلا أن استأذن بالذهاب بعد أن أغلق على عجالة تلك النوافذ التي أغرقت شاشة جهاز الحاسب المكتبي الخاص بهما في المكتب. لم يجد هاشم تفسيراً لما حدث تلك اللحظات لكنه لم يشغل باله بالتحليل، فأعد لنفسه فنجان القهوة وجلس على المكتب وفتح نافذة جديدة وكتب في شريط العنوان اسم الموقع الإلكتروني صاحب الشهرة الأوسع في العالم.. لكنه لمح نافذة مصغرة ما زالت مفتوحة.. فقام بتكبيرها.. ثم غرق! غرق هاشم في بحر الخفايا التي كشفتها تلك النافذة المنسية عن رامز، في لحظة واحدة وبنقرة سريعة أسقطت هذه النافذة كل الأقنعة وأذابت مساحيق التجميل، وأفصحت عن كل ما خبأه الصندوق الأسود من الأفعال الشيطانية واللا أخلاقية لصديقه، لكنها في ذات الوقت قست على قلبه المرهف.. وأبكت حلو السجايا. [email protected]