حصلت «عكاظ» على خطابات يعود تاريخ بعضها إلى نحو ربع قرن، وصفت بأنها نواة للمخالفات التي وقعت على إثرها ما عرف بكارثة السيول التي دهمت أحياء شرقي جدة، وتحديدا أحياء قويزة وأم الخير والمساعد، وكانت الخطابات محل اهتمام جهات التحقيق والجهات القضائية التي باشرت أعمالها في تتبع المتهمين بالكارثة، بل واعتبرت من القرائن المهمة في مواجهتهم. وتضمن خطابا رفعه وكيل أمين سابق إلى أمين جدة آنذاك كلاهما متهم في ذات القضية وجارية محاكمتهما ، طلبا بالسماح للمواطنين بالبناء في مسار مجرى السيل، لحاجة المنطقة للخدمات، رغم وجود خطابات أخرى تؤكد أن هناك مواقع خطرة ومعرضة للسيول يجب الحد من البناء فيها، فيما اشتمل خطاب آخر على تقرير لصاحب مكتب هندسي شهير تبين أن له دورا في رفع تقارير عن مواقع في شرق جدة فضلا عن مشاركته في إجازة مخطط أم الخير الذي تعرض في العام التالي من كارثة جدة للسيول. محظور البناء عليها ولاحظت هيئة الرقابة والتحقيق أن المكتب الاستشاري قدم خطابات قبل 16 عاما يطلب فيها تقسيم أراض في شرق جدة، وأفادت في حينها الجهة المختصة في أمانة جدة بأن «الموقع مدار الدراسة يقع ضمن منطقة معرضة لخطر السيول ومحظور البناء عليها حسب التعليمات والأنظمة»، وأفادت إدارة الدراسات والإشراف في أمانة جدة آنذاك في خطاب مؤرخ في 1417ه، أن استشاري السيول أنهى عقدا من الخطة الشاملة لتصريف مياه الأمطار في جدة رغم عدم توقيع العقد من قبل الوزارة وقتها، ثم قدم لاحقا المكتب الهندسي وهو المكتب ذاته الذي أجاز مخطط أم الخير دراسة وتوصيات لحماية الموقع من السيول، وتضمنت الدراسة ردم الجزء الذي يشكل مجرى السيل في الموقع، وبالتالي رفع المنسوب إلى مستوى الطرق والمباني المجاورة بأحد الاقتراحين إما عمل قناة مكشوفة كامتداد للقناة الخرسانية المنشأة سابقا بحيث تكون موازية للطريق على طول الموقع من الشرق إلى الغرب، أو عمل عبارة خراسانية. واطلعت «عكاظ» على تقرير فني لأمانة جدة مؤرخ في 1419ه، يؤكد أن إحدى المناطق شرق جدة ليست في مأمن من خطر غمر مياه الأمطار والسيول إلا في حالة تنفيذ مجرى صناعي لسريان مياه الأمطار والسيول ويستكمل الحل بإنشاء سد خرساني على الحدود الشرقية للموقع بالكامل لحمايته من الأمطار والسيول وتجميعها لتصب في النهاية في قناة مجرى السيل. بناء في مجرى سيل وجاء في خطاب آخر مذيل بتوقيع وكيل سابق في الأمانة إلى الأمين آنذاك «نرفع لمعاليكم المعاملة الخاصة بتسليم مواقع خدمات في مخطط فرج المساعد قويزة الواقع شرق جدة، وإشارة إلى شرح معاليكم (للاهتمام وإكمال اللازم)»، وجاء الشرح على خطاب قدمه أحد المواطنين، وزاد الخطاب ذاته «تم إعداد دراسة تفصيلية من قبل الإدارة العامة للتشغيل والصيانة لإنشاء نفق خرساني بديل لمجرى السيل المقترح حاليا تحت الشارع الواقع جنوب المخطط المعتمد يضمن سلامة المنشآت القائمة وكذلك الاستفادة من مواقع الخدمات الواقعة ضمن مجرى السيل، وتم الرفع بكامل الموضوع إلى معاليكم، كما تم استدعاء صاحب المخطط للمساهمة في تكاليف إنشاء النفق الخرساني»، وختم الوكيل خطابه بطلب الموافقة بالسماح للمواطنين بالبناء في مجرى السيل كونهم متضررين من عدم السماح لهم بالبناء. وأكدت محاضر اطلاع ومعاينة على الطبيعة، أن مندوب وزارة الشؤون البلدية والقروية، أكد أن جميع الإفادات الواردة في محاضر المعاينة في مجاري السيول شرق جدة تعتبر محاضر عامة وغير دقيقة، حيث لا تتوفر مصورات جوية توضح مسارات الأودية. أدلة وقرائن وعلمت «عكاظ» أن المدعيين العامين في كل من هيئتي الرقابة والتحقيق والادعاء العام بنيا لوائح الاتهامات استنادا على تلك الخطابات، كأدلة وقرائن تدين متهمين بينهم أمين سابق لجدة ووكلاء ومهندسون سابقون وحاليون في مواقع قيادية في الأمانة، إثر إجازة البناء في تلك المواقع رغم صدور أوامر سامية عام 1404ه، تمنع البناء والتملك في بطون الأودية ومجاري السيول. ووقفت «عكاظ» ميدانيا على مواقع عدة في مخطط فرج المساعد وقويزة وأم الخير، كأكثر المواقع تضررا في كارثة السيول، ورصدت موقع وادي قوس الذي تغيرت معالمه بسبب الطفرة العمرانية والبناء، حيث يواصل مواطنون بناء عقاراتهم بعد التطمينات والحلول التي وضعت للمساهمة في حماية الأحياء من أي سيول وأمطار غزيرة مستقبلا. ورصدت كاميرا «عكاظ» في جولتها تواصل العمل في أحد المشاريع المنفذة في حي قويزة والخاص بتصريف الأمطار، والصرف الصحي وأخرى لتصريف مياه الصرف الصحي. رشوة وإزهاق أرواح يذكر أن مسؤولين قياديين ومهندسين وموظفين على مراتب مختلفة سابقين وحاليين في جهات حكومية وفي القطاع الخاص يخضعون حاليا لمحاكمات بتهم إزهاق أرواح وإتلاف ممتلكات، فضلا عن تهم أخرى مثل الرشوة والتزوير والعبث بالأنظمة وسوء الاستعمال الإداري والتكسب من الوظيفة وغسل الأموال على خلفية كارثة سيول جدة. نزع للمنفعة من جهته، قال المحامي والمستشار القانوني سعد المالكي، أن كتابات العدل لا تملك صلاحية إلغاء صكوك الملكية، ويقتصر دورها على توثيق ملكيتها، فيصعب على القضاء إلغاء الصكوك التي سبق إصدارها وأصبحت نهائية وتناقلها أشخاص عبر أشخاص؛ حرصا على استقرار الملكيات، وأضاف المالكي أن علاج أي مواقع خطرة في مجاري السيول وبطون الأودية هو تفعيل لأحكام نظام نزع ملكية العقار للمنفعة العامة والذي أجاز في مادته الأولى لكافة الوزارات والجهات الحكومية نزع ملكية العقار للمنفعة العامة لقاء تعويض عادل، إلا أن المادة الأولى من النظام اشترطت وجود مشروع حكومي ترغب الجهة المسؤولة نزع الملكية لتنفيذه.