شارفت الساعة السادسة مساء بتوقيت لندن، كان ذلك في أحد أيام صيف 2010، عندما كنت في إحدى زياراتي للعاصمة البريطانية بصحبة أسرتي، وقد كنت أقطن آنذاك في إحدى العمارات الكائنة في شارع بورتمان المتفرع من شارع أكسفورد في منطقة ماربل آرش في وسط لندن. شعرت وقتها برغبة في احتساء قدح من القهوة، فذهبت إلى المطبخ عازما على صنع قدح من القهوة التركية التي أجيد صنعها، وضعت «إناء القهوة» على النار، هبت وقتها نسمة باردة جذبتني خلفها نحو النافذة، شردت ببصري وفكري بعيدا وأنا أطل من النافذة، غفلت قليلا عن صنع القهوة، أفقت من تأملاتي منزعجا على دوي صفارات الإنذار التي دوت عاليا في أرجاء العمارة كلها، تجلى الموقف في ذهني سريعا عندما نظرت إلى إناء القهوة الفارغ، وقد نفد منه الماء وتصاعد منه الدخان، مما أدى لتشغيل جرس الإنذار. انشغلت بمحاولة إغلاق جرس الإنذار الذي لم أتمكن من إغلاقه بسبب حداثة سكني في العمارة التي لم أقطنها إلا من يومين فحسب، وما هي إلا لحظات حتى فوجئت بصفارات سيارات المطافئ تنطلق عاليا، نظرت من النافذة فوجدت سكان العمارة يغادرون، وسيارات الإطفاء تصطف الواحدة تلو الأخرى أمام مدخل العمارة ورجالها مترجلين من مركباتهم نحو العمارة، أحسست أن الجو بدأ يتأزم وشعرت أن واجبي يحتم علي أن أواجه الموقف وأشرح للجميع حقيقة ما حدث. بمجرد نزولي وجدتهم داخل العمارة وبادرني أحدهم بسؤالي إن كنت أعرف من يقطن الشقة رقم 1، أخبرته بأني أنا من يسكن الشقة، شرحت له الموقف وأخبرته أن الأمر بسيط للغاية، أصر على الصعود للشقة ليتأكد هو وزملاؤه من سلامة الوضع، خلال 5 دقائق تأكد الجميع أنه لا يوجد ثمة ما يقلق، غادر الجميع في هدوء وخرجوا للشارع مطالبين السكان بعدم الانزعاج والعودة لمنازلهم بعدما أخبروهم بحقيقة الموقف، لعل أهم ما في هذه القصة هو سؤالي لأحد رجال المطافئ هل قام أحد السكان بإبلاغكم بما حدث؟ رد علي قائلا: لا يا سيدي، أجهزة الإنذار متصلة تلقائيا من خلال شبكة خاصة بأنظمة السلامة بمركز الشرطة، ولسنا بحاجة لمن يخبرنا بما يتوجب علينا فعله. لقد تذكرت ذلك الحدث أثناء تصفحي لمصابنا الجلل الذي حدث منذ أسبوعين في «مدرسة براعم الوطن» تابعت كل ما كتب عنه من تحليلات واستنتاجات، كالعادة وجدت كل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر، وكل يحاول أن يقدم تبريرات أو أعذار مثل «لم يتم الإبلاغ عن الحريق إلا متأخرا»، كذلك «لقد حدث تجمهر حول الموقع» وغيرها من المبررات. لعل أهم ما خرجت به من هذا الحدث هو أنه لا توجد مساحة كافية داخل المدرسة لتجميع الطالبات، فهل يعقل ألا تحوي مدرسة تضم قرابة 900 طالبة فناء يكفي لتجمع الطلاب في حالة الطوارئ ؟ كيف يمكن وقتها تنظيم خروج هذا العدد كله في لحظة واحدة، ولماذا تحتاج وحدات المطافئ لمن يتصل بهم ليخبرهم بوجود حريق ؟. نحن جميعنا نعلم أننا في عصر تكنولوجيا المعلومات، والدولة تشجع أي تقنية حديثة من شأنها المحافظة على الأرواح والممتلكات، فما الذي يحول دون تطبيق وسائل الإنذار المبكر ووجود شبكات للأمن والسلامة تتصل بمركز رئيسي للحوادث؟ لماذا لا يتم تأسيس شركات متخصصة تخدم القطاعين العام والخاص في هذا المجال، هناك بالتأكيد بعض الحلول البسيطة وربما غير المكلفة، ولكن بكل أسف لا يتم التفكير فيها إلا بعد وقوع المصاب، غير أن الأمر يكون أشد مرارة عندما لا يتم الاستفادة حتى من الأخطاء السابقة. * أكاديمي وكاتب صحافي [email protected]