أن يتقدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ويتحامل على الألم ويتحدى توصيات الأطباء وتعليماتهم متوجها نحو قاعدة الرياض الجوية لاستقبال جثمان أخيه الراحل إلى جنات الخلد، بإذن الله، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، فذلك ضرب مثل في الأخوة الصادقة والأبوة الحانية التي يكتنفها قلب الملك. أن يتقدم الملك المصلين وترتسم على محياه أعمق آثار الحزن، فذلك درس في شموخ الأخوة بعد أن تعود أن يتبادل الابتسامات مع شقيقه، فالوداع هنا مختلف إذ أن قلبه كان يسابق يده للمصافحة، وما زيارته للراحل في المغرب إبان فترة نقاهة سابقة إلا خير دليل على أن الأخوة لها سمات لا يتصف بها إلا الكبار. رحل سلطان تاركا خلفه إرثا من العمل الخيري وكأنه الجبال، رحل وكأن ما قدمه أرض أنبتت الزهر من سحابة لا تحتاج لاستسقاء. رحل سلطان كافلا أيتاما، مقتديا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين». رحل سلطان وخلفه عمل صالح وأبناء صالحون، تمثل فيه قول المصطفى «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو عمل صالح ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، فكم من الصدقات تجري كأنها الأنهار، وكم من الأعمال الصالحة التي نفعت الناس وكأنها سبع سنبلات في كل سنبلة مائة حبة، فليضاعف الله لك، وأبناء صالحون تعلموا منهجا خيريا عنوانه سلطان الذي رسم لهم من خلاله خريطة طريق الخير. رحل سلطان فبكاه الوطن وأبناء الشعوب خارج جغرافية الجزيرة، ممن نالوا ونهلوا من خير سلطان، فغرقت الوجنات دمعا واعتصرت القلوب وجعا وارتفعت الأكف دعاء لسلطان العطاء. رحل سلطان إلى حيث المثوى الأخير مقبرة العود، وهناك شواهد ترسخ أن الوطن كتلة واحدة لا تنفصل، ففي حي قديم شعبي البناء ووري جثمانه الثرى بين البسطاء الذين طالما أحبهم فبادلوه المشاعر، والذين بلا شك سيكون بينهم رجال ونساء وأطفال كان لهم من خير سلطان جزيل العطاء. رحل سلطان فصلت عليه الجموع في كل مكان، وحزنت عليه كل الأرجاء وبكت عليه الأرض ومن فيها، فالوجود بأسره يبكيك سلطان. رحلت سلطان وبقي خيرك، رحلت وبقيت مآثرك، رحلت وخلفك رجال أنت قدوتهم سيكملون مسيرة الخير التي كانت ولا تزال منهجا يحتذي به الكبار.. رحلت سلطان إلى رفيق أعلى يستجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ليغفر لك الله وليبني لك بيتا في الجنة كما سترت، ويفرج كربتك كما فرجت. [email protected]