اليوم الوطني هو علاقة حب بين الأرض وأبنائها. وهذه هي العلاقة الأوثق في أي مجتمع يتحرك في سياق إنماء وتعميق الشعور بالوطنية، وعمقها ينبع من شعور الفرد بأن كل ذرة تراب هي له ومنه. ومع إيجاد فرصة إجازة اليوم الوطني، غدا تذكر الوطن فعلا وليس استرجاع تاريخ، والفعل يحقق التعامل المباشر مع الذكرى، ولهذا تجد أن كل تعبيرات الحب التي يحملها المواطنون لهذا الوطن تتشح بها المواقع قبل القلوب. وتأتي الأفعال لتعميق ذلك الشعور بأن الوطن ليس كلمة تقال أو قصيدة تدبج أو تهان تتطاير، بل هو حب متبادل يمنح طرفيه العزة والكرامة ويتبادلان الوجود فيما بينهما. **** ما حدث في سوق عكاظ يزيد حلمنا بتحويله إلى تظاهرة شعرية عالمية. ومعروف أن الأمير خالد الفيصل هو الباعث لإحياء هذا الإرث الأدبي العربي، وله الفضل في مبادراته الثقافية المتعددة لتحريك وتحفيز كثير من المناشط الثقافية، وجاء إحياء سوق عكاظ ليس في استعادة موروثنا الشعري فحسب بل استعادة المكان والرغبة في استعادة دوره الأدبي والاقتصادي، وهذا ما حمله خطابه في العام الماضي وهذا العام، أي أن السوق لن يكون على صورته القديمة فقط بل سيتطور بما يتناسب مع العصر. والتفكير هذا في سحب سوق عكاظ إلى زمننا الراهن يخالجني منه ارتياب. وسبب هذا الارتياب هو الخشية من الصبغة الحديثة التي تزيل أي أثر قديم مما يفقد روح الأصالة الحقيقية للمكان، وكما نشتكى من الغابات الأسمنتية في كل مواقعنا التاريخية والدينية تأتي هذه الخشية من تحول السوق الى مولات ضخمة يضيع فيها التاريخ والحميمية التي تنهل علينا من تاريخية المكان. هذه الرؤيا ربما توصم بالرومانسية على طريقة رواد السوق من الشعراء الجاهليين، أي أننا لازلنا مثلهم تماما نفسد الأثر ونبكي على الطلل. وإن كان بهذا رومانسية فهو حال النفس مع تاريخها ورموزها، ولهذا أتمنى أن يظل جزء من السوق على حاله مع تطوير الأجزاء التي ليس لها علاقة بالمواقع، لكنها تدخل ضمن مخطط تطوير السوق. والملاحظ أن سوق عكاظ ينمو بالأفكار والمباحث الرائعة، ففي هذا العام مثلا خلط الشاعر أحمد البوق بين تخصصه وإبداعه بفكرة في غاية الروعة تتمثل في دراسة الحياة الفطرية في سوق عكاظ وما تم ذكره في أشعارهم من حيوانات مختلفة، بل ذهب أحمد للعمل على تسكين وإعادة إحياء مواقع تلك الحيوانات، سواء كانت ثديية أو طيورا أو زواحف، ومثل هذه الفكرة الرائعة بحاجة الى تعميق فكرة المكان أيضا،ولكي يتم الجمع بين الأصالة والحداثة يصبح من الضرورة التنبه إلى فكرة إبقاء السوق في ماضويته بينما تحف به كل مظاهر الحداثة، وهذا ما يحقق الجمع بين الأزمان. وكما هو تطلع الأمير خالد الفيصل إلى التحديث، فنحن متطلعون إلى المحافظة على الأثر كموقع تاريخي يمكن تحقيق كل الأمنيات بوضوح الرؤيا فيما نريد تحقيقه على أرض الواقع. [email protected]