حاولنا طوال شهر رمضان أن نكون معك عزيزي القارئ على تواصل من خلال الصفحة في تقارير شبه أسبوعية حول المشاهدات البرامجية في فضائيات رمضان، بعد أن أحاطت هذه المناقشات حول البرامج العديد من الأمسيات ملتقيات المثقفين والإعلاميين وكافة شرائح المجتمع في إجازة عيد الفطر المبارك. ولمتابعة ما يمكن أن يكون ذا علاقة مباشرة مع المادة المعروضة وعن سوق الإعلان في فضائيات رمضان وكل ما يتعلق بهذا الجانب، التقينا بالدكتور عبد الله بانخر عضو هيئة تدريس قسم الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز المتخصص في موسم المشاهدة الرمضانية والتسويق الإعلاني في الفضائيات، وعن مدى صحة ودقة أرقام المشاهدة في هذه القناة أو تلك ليقول: لا يزال مسلسل معدلات المشاهدة التلفزيونية في شهر رمضان من كل عام مستمرا، فمنذ أكثر من ستة أعوام وتصدر معدلات المشاهدة دون تدقيق أو تمحيص أو حتى اعتماد من قبل لجنة مهنية إشرافية متخصصة لتلك النتائج المتوافرة في السوق الإعلانية. و بالإضافة للشركتين الرئيسيتن في إجراء الدراسات في التقنية وهما (بارك) و(إيبسوس)، فهناك بعض شركات شراء المساحات الإعلانية تتولى إما القيام بالدراسات الخاصة بها أو بإجراء تحليلات للمعلومات المتوافرة في السوق بطرقها الخاصة. ويجب أن نؤكد هنا أهمية دور الدراسات طوال العام وليس في مجرد مواسم ذروة المشاهدة، كما هو الحال في رمضان فقط، وذلك لضمان استمرارية تبوؤ مراكز ليس فقط متقدمة، ولكن لضمان مجرد التواجد على قائمة النتائج حتى ولو في مراكز متأخرة أو أوقات محددة. • هل أستطيع سؤالك حول القنوات المتقدمة لقائمة الإعلان والتسويق أو المشاهدة بشكل عام بين الفضائيات؟ كما هو متكرر وواضح في كل عام، تتمتع قناة إم بي سي بالمراكز الأولى والمتقدمة في البرامج الأكثر مشاهدة وبفارق ملحوظ عن بقية برامج القنوات الأخرى سواء الخاصة مثل روتانا خليجية أو حكومية مثل التلفزيون السعودي، الذي عادة يخرج من هذا الموسم وللأسف الشديد بلا أي فوائد تجنى، اللهم إلا فترة أذان وصلاة المغرب من مكةالمكرمة، وكذلك برنامج يتيم أو مسلسل على الأكثر في ذيل قائمة أكثر عشرة أو 20 أو حتى 30 برنامجا يشاهد خلال الشهر الكريم وتبقى عادة الساحة مشرعة للقنوات الخاصة، وخصوصا إم بي سي التي عادة ما تحصد برامجها نصيب الأسد وبشكل متكرر على التوالي وعلى الترتيب وربما بنفس النسب لمعدلات المشاهدة مهما اختلفت البرامج في الشكل والمضمون! • هل من صراع أو تسابق خفي بين القنوات في موسم المشاهدة الرمضاني الذي انتهى أخيرا؟ كان من أبرز ملامح هذا العام الاهتمام الأكبر بالأخبار والبرامج السياسية كنتيجة لما حدث ويحدث في المنطقة من أحداث على الأرض هي أقوى من أروع المسلسلات التلفزيونية. فعلى الرغم من زيادة المشاهدة التلفزيونية بشكل عام إلا أن متابعة الأخبار والأحداث قد استأثرت بهذه الزيادة. وربما المسلسلات والبرامج المنقولة حية على الهواء في أغلب الدول العربية أكثر مشاهدة وحبكة من أي أعمال فنية أخرى. كما يأتي ظهور إم بي سي دراما على القائمة لتقف حاجزا منيعا ربما أمام القنوات الخاصة الأخرى، وعلى الرغم من كون هذه القناة متخصصة في الدراما إلا أنها استطاعت وفي فترة وجيزة أن تحتل ببرامجها أو بالأحرى مسلسلاتها التي لا تختلف عن مسلسلات قناة إم بي سي الأولى إلا في كمية الإعلانات الأقل التي تتخلل المشاهدة مما يجعلها تبرز مزاحمة للقنوات الترفيهية العامة غير المتخصصة مثل روتانا خليجية وشقيقاتها وغيرها. ولعل أهم ما يميز القنوات الخاصة الإنفاق ببذخ شديد على تسويق وترويج برامج رمضان، إلا أنها لا تأتي إلا في المراتب التالية كما هو الحال لروتانا أو تلفزيون دبي وأبو ظبي. • دعنا نتحدث في ما يهمنا حول السوق السعودية.. السوق الإعلامية (الميديا) والإعلانية؟ الحديث عن السوق السعودية تحديدا، كسوق إعلامية إعلانية هي الأكبر والأضخم في المنطقة، حاليا على الأقل. وقد لا نختلف كثيرا في ترتيب حظوة الأعمال ذات المراكز المتقدمة لعوامل كثيرة أهمها الخبرة الإعلامية والتسويقية، علاوة على الاستئثار بأكبر عدد من البرامج والمسلسلات، واختلاف قوائم الترتيب في المراكز قد يكون أهون أو أبسط تعقيدا، ولكن المعضلة الأساسية والإشكالية الكبرى في نسب معدلات المشاهدة ذاتها لكل برنامج أو مسلسل على حدة، والتي على أساسها لا يتم الترتيب فقط ولكن أيضا توزيع الحصص والميزانيات الإعلانية، والبرنامج الأشهر هنا هو بالتأكيد طاش ما طاش (قاهر المراكز في دورته ال18) فعلى الرغم من استنزاف أغراضه منذ زمن بعيد وتكرار وسطحية معظم حلقاته، إلا أنه لا يزال يتقدم القائمة بشكل قوي، نحن لا نعترض عليه من حيث الترتيب، ولكن من حيث نسب ومعدلات المشاهدة الممنوحة له، والتي تظهرها بعض الدراسات بمعدلات أعلى من وقت أذان وصلاة المغرب من مكة! وربما فارق التوقيت في مواعيد الصلاة قد يكون عاملا في ذلك. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن البرامج الأكثر مشاهدة ليس بالضرورة أن تكون هي الأقوى في المضمون أو الشكل أو حتى في أي عوامل أخرى فنية، اللهم إلا ما تفرضه العادة والتوقيت والظروف والملابسات الخاصة بالأعمال والدراسات التلفزيونية. علما أن هناك بعض الحلقات القوية وهي بالمناسبة قلة، أما البقية فهي تعاني ولا تزال بما تعانى منه الدراما الخليجية بشكل عام والسعودية بشكل خاص، من الإغراق في السطحية والمباشرة في الطرح والمبالغة المستندة، وفي أغلب الأحيان وعلى الوتيرة نفسها نرى بقية المسلسلات التي يفترض كونها كوميدية أو ترفيهية والتي عادة ما تأتي في مراكز المتأخرة نسبيا مثل (سكتم بكتم) أو (قول في الثمانيات) وفي بعض الأحيان (طاش ما طاش) في بعض حلقاته أو أجزائه أو غيرها، تلك الأعمال التي أضحت أقرب إلى البيانات الصحافية والأنشطة المدرسية البعيدة كل البعد عن الاحترافية والمهنية، مما يشعر المتلقي أن الممثل الرئيس وحده دون شريك غالبا وعلى الرغم من وجود أسماء أخرى لا يحرك الأحداث فقط ولكن يحرك النص والصورة وربما الجمهور المشاهد أيضا إن استطاع، ولعل خلاصة هذه الأعمال هو الهدر في طاقات وقدرات فنانين يملكون الموهبة دون الحرفية أو التخصصية فهم الممثلون والمؤلفون والمخرجون والمنتجون وربما المشاهدون أيضا، مع احترامي وتقديري لكل من تظهر أسماؤهم على تترات هذه الأعمال. • هكذا على وجه العموم بالنسبة للأعمال المحلية، إذن ماذا عن غير الدراما التي تناولتها؟ بقية المسلسلات الدرامية الأخرى وخصوصا الخليجية أرى أن بعضها أسير الإغراق في اللا معقول بطرق تتركز في استدرار تعاطف ودموع المشاهدين أو بالأحرى المشاهدات دون أي ربط بالواقع والمعتدل، وعلى الرغم من الاحتراف الأعلى لأغلب ممثلي تلك الأعمال وأغلبهم كويتيون نتيجة لعوامل كثيرة أغلبها قديمة يعود إلى الستينيات منذ نشأة المسرح والمعهد الذي يقوم على أسس علمية ومهنية عالية، ولكن للأسف الشديد أيضا تدور أغلب هذه المسلسلات في فوضى متطرفة للمشاعر أو الأفكار على الأقل. • لوحظ وبشكل واضح، تراجع نسبة الأعمال الدينية والتاريخية في آخر مواسم المشاهدة الرمضانية، هل هذا صحيح؟ • نعم، ومع تراجع المسلسلات التاريخية أو الخاصة بالسير سواء الدينية أو الشخصية القديمة أو حتى المعاصرة، لا يبرز هذا العام سوى المسلسل الضجة فقط الضجة عن الحسن والحسين، والذي يظهر ضمن المراتب ال20 الأولى على الرغم من ضخامة الإنتاج وحساسية الموضوع وحصرية العرض في روتانا خليجية، إلا أن الموضوع يظل أكبر من أي عناصر فنية يمكن أن نشاهدها في العمل من حيث الشكل والمضمون، وحتى قائمة المراجعين الدينيين والتاريخيين العامرة والمرتبطة بأهميته، لم تشفع في تصدره مراتب أكثر تقدما، كما أنه ربما كون الجهة المنتجة غير واضحة المعالم الإعلامية والخبرة الفنية جعلها لا تهتم بأدق التفاصيل، ويبقى الموضوع هو سيد العمل، رغم الإنفاق ببذخ على الإنتاج. • بعيدا عن المسلسلات، ماذا عن البرامج بشكل عام والدينية منها على وجه الخصوص؟ • بعيدا عن المسلسلات التي تشكل عادة المشهد التلفزيوني في رمضان، تأتي البرامج التلفزيونية على أهميتها لتستأثر بمعدلات مشاهدة أو مراتب متقدمة حتى على بعض المسلسلات، تظل خواطر أحمد الشقيري في مرتبة متقدمة لهذه البرامج. وهذا أمر طبيعي لجهد وإتقان يبذل طوال العام لإنتاج هذه الدقائق المعرفية المؤثرة، خصوصا في الأجيال الشابة وعائلاتهم. وتظهر برامج إم بي سي الدينية الأخرى أيضا في المقدمة مثل الجمال في الإسلام ونبض الكلام. إلا أن توقيت العرض لعب الدور الأكبر في تصدرها لقائمة أفضل عشر مراتب للبرامج، خصوصا في غياب الشيخ الدكتور سلمان العودة عن شاشة إم بي سي هذا العام، فما كان لمثل هذه النوعية من البرامج تحديدا أن تحصل على هذه المعدلات المرتفعة في المشاهدة لولا التوقيت أولا، ومن ثم أي شيء آخر ولعل الملاحظة هنا في كلا البرنامجين الأخيرين هو البعد عن التخصصية والحديث في كل شيء وعن أي شيء دون حرج، فمع كامل احترامي وتقديري لضيوف تلك الحلقات ومعظمهم من أشهر الدعاة أو بعض ممن المصرح له بالفتوى إلا أنهم يفتون في الاقتصاد والسياسة والإعلام بشكل قد لا يتاح لغيرهم في الحديث في أبسط الأمور الدينية أحيانا حتى المتفق عليها. وعلى الرغم من وجود بعض البرامج وخصوصا الدينية عالية الجودة من حيث المضمون بالطبع إلا أنها لا تزال تتعامل مع التلفزيون إما بشكل بدائي أو إذاعي غير مرئي، لا يستفيد من خصائص هذه الوسيلة الإعلامية ذات الأساليب المتميزة. • ماذا عن الدراما العربية غير الخليجية والسعودية تحديدا، ماذا من الممكن أن نقول؟ الأعمال الدرامية العربية الأخرى سواء المصرية أو السورية نجد فيها تراجعا كبيرا في كمية ونوعية هذه الأعمال كنتيجة طبيعية لظروف الإنتاج في تلك الدول، وربما الأعمال السورية ظهرت بشكل متواضع للغاية هذا العام إلا من بعض الأعمال ك«الزعيم» مثلا، ولعل هذا المسلسل تحديدا يتصدر قائمة المسلسلات المتقدمة لنوعية حضور القائمين عليه من أسماء فنية قوية، إلا أنه بقي أسيرا لأجواء باب الحارة وغيرها من المسلسلات الملحمية والاجتماعية السورية متعددة الأجزاء. أما المسلسلات المصرية فلم يبرز إلا «الريان» ضمن قائمة أعلى 20 عملا من حيث المشاهدة في السوق السعودية على الرغم من أن المسلسلات المصرية تواجدت على الساحة العربية بشكل أكبر هذا العام. وأبرز ما يميز المسلسلات المصرية هذا العام وعلى الرغم من الأحداث منذ بداية العام العديد من الملامح؛ فهي مقسمة إلى ثلاثة أنواع، مسلسلات ليست لها أي علاقة بالشهر الكريم إلا أن تروي عطش بعض الصائمين عن الأكل والشرب فقط وذلك بتقديم الأفكار المعتادة والموضوعات المستهلكة، حيث تعتمد على إثارة بطلات تلك الأعمال المرتبطة بالهوى أو رجال المخدرات وغيرها من الأعمال الفنية الصالحة لأي مكان ولأي زمان إلا في رمضان، وللأسف الشديد عادة ما تكون حاضرة على المشهد التلفزيوني من منطلق اللعب على المضمون تجاريا وتوزيعا طوال العام، ولا أريد أن أزيد في هذا الجانب خاصة أن تلك الأعمال تحديدا قد أصبحت حتى لدى مشاهدي مصدرها ممجوجة أو مرفوضة لأسباب عديدة، إلا أنها لا تزال لها سطوة وحظوة نتمنى أن تتلاشى على الأقل في رمضان. أما النوع الثاني من المسلسلات المصرية فهي أعمال فنية متميزة وحديثة الأساليب بدرجة كبيرة تمت قبل الأحداث الأخيرة في مصر، مثل خاتم سليمان ودوران شبرا وشارع عبد العزيز، فهذه الأعمال على درجة فنية عالية في جميع العناصر أهمها ما يميز استخدام الأسلوب السينمائي أو السحر السينمائي أكثر مثل التلفزيوني، علاوة على التجديد في السيناريو والحوار والمونتاج وغيرها، ويبرز ذلك بشكل كبير في خاتم سليمان كمسلسل يكاد يكون مكتمل العناصر، ومن ثم مسلسل دوران شبرا الذي يتميز بثلاث ملاحظات مهمة مثل قيام مصر للسينما (شركة إنتاج الراحل يوسف شاهين) بهذا العمل وهذا في حد ذاته مكسب تلفزيوني، علاوة على كون المسلسل ينتج أيضا بالتعاون مع هيئة الإذاعة البريطانية، ولأول مرة لمسلسل تلفزيوني، وربما شركة الإنتاج هذه هي الأقدر على تحقيق ذلك، وأيضا التعامل مع موضوع الفتنة الطائفية بشكل مختلف، بعيدا عن البيانات الصحافية والمزايدات الإعلامية من شعارات معتادة تعتمد على المباشرة والسطحية، وفي رأيي أن هذين العملين يجب أن يتم تدريسهما بشكل موسع في المعاهد الفنية بشكل أكثر تعمقا وتدقيقا. أما النوع الثالث فهو ما يمكن أن نطلق عليه مسلسلات الثورة وإفرازاتها، وهي تلك المسلسلات التي سعت إلى استثمار مجريات الأحداث في مصر وأغلبها أتى على عجل أو بربط يلوى عنق الأحداث بشكل أو بآخر، يستثنى من ذلك مسلسل المواطن إكس الذي يبرز بمقومات نجاح عديدة. • ماذا عن السوق السعودية الإعلانية في موسم المشاهدة، وماذا عن إمكانية تحسين دراسة الوسائل الإعلانية المرئية في مواسم المشاهدة؟ أستطيع القول إن السوق السعودية تبقى بحاجة إلى المزيد من الاهتمام بموضوع دراسات الوسائل بشكل أفضل يتناسب مع إمكانيات ومقدرات السوق الإعلامية والإعلانية في المملكة، ولا يتأتى ذلك إلا بتكوين لجنة مهنية متخصصة أو هيئة استشارية غير حكومية من أرباب الصناعة الإعلامية والإعلامية.