أسدل الستار على شهر رمضان ومعه بدأ الحديث عن المنتصر في الصراع الدرامي الرمضاني الفضائي من بين أكثر من مائة وعشرين مسلسلا متنوعا مابين كوميدي وتراجيدي وتاريخي واجتماعي وشعبي، بل بات الحديث منصبا حول من أسقط الآخر في هذا السباق، الدراما المصرية أم السورية أم الخليجية ؟! أم أن الصراع خرج من إطار المنافسة بين الدول إلى نوعية العمل بغض النظر عن جنسيته بعد ظهور الأعمال التي توحدت عربيا. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو: من يصنع نجاح العمل جماهيريا هل هي المحطة التي يبث فيها، أم أن قوة العمل وتميزه بما يطرح بغض النظر عن المحطة التي يعرض عليها ؟! وعند نهاية رمضان تعلن كل فضائية أنها الأكثر استحواذا على حواس المشاهد وأن مسلسلاتها وبرامجها هي المسيطرة على المراكز المتقدمة في المشاهدة فما هي حقيقة الأرقام والإحصائيات التي تصدرها المحطات الفضائية وتعلن بأنها الأكثر ومدى واقعيتها ودقتها؟ّّ! الصراع الرمضاني يتجدد دائما ويقع بين الكم والكيف فهل أخفى الكم الكبير من الأعمال التي أنفق عليها أكثر من مليار دولار بعض الأعمال الهادفة والمميزة ؟! أسئلة عديدة طرحتها «عكاظ» باحثة عن إجابات لها عند النقاد والكتاب والفنانين والمنتجين والمخرجين والمتابعين للحلبة الرمضانية في سياق القراءة التالية للأعمال الرمضانية: يرى الكاتب والناقد محمد السحيمي أن الأمية الدرامية السعودية انتقلت للدراما العربية، بقوله: «نحن لدينا أمية في الدراما السعودية فنعمل عمل هواة يفتقرون لأبسط مبادئ الدراما، ولكن المشكلة أننا نقلنا ذلك للمحترفين العرب وتحديدا مصر وسوريا حيث أصبح المنتجون (والمنتج في الغالب سعودي أو خليجي) يراعون ما يريده جمهور هذا المنتج فصاروا يقدمون ما يريدون أو ما يعتقدون أن الجمهور السعودي أو الجمهور الخليجي يريده»، وبين أن هناك مسلسلات كثيرة لم تنجز في رمضان ومنها «مسلسل الكبير القوي» الذي توقف في نصف الشهر عند 15حلقة، أيضا مسلسل «الجماعة» كان يصور لآخر يوم بيوم، حيث أكد أن هذا الأمر لا يمت للاحترافية بصلة، مشددا على أن الأعمال الدرامية يجب أن تكون منجزة قبل رمضان بوقت كاف». مضيفا: «أصبحنا نشاهد أن الكثير من المنتجين يريدون أن يتم تمطيط العمل لثلاثين حلقة احتمل ذلك أو لم يحتمل، لأن التمطيط يخل بالعصب الدرامي». نجاح عربي وعن الأعمال التي برزت في شهر رمضان ألمح السحيمي إلى أن مسلسل سقوط الخلافة كان الأبرز بين كافة الأعمال التي عرضت في رمضان، حيث كان عملا عربيا مشتركا اشتركت سوريا ومصر وقطر في العمل عليه من حيث التمثيل والإنتاج ،مضيفا: «سقوط الخلافة للبطل عباس النوري كان مسلسلا محبوكا بشكل متقن، وكلف مبالغ باهظة لإنتاجه، والمسلسل يستحق كل إشادة وتقدير، وموضوعه تاريخي يهم كل المسلمين، حيث يعود بنا إلى المسلسلات التاريخية الجادة ويثبت أن المشاهد العربي متى قدم له عمل جاد ومحترم أعتقد أنه سيتفاعل معه بشكل كبير وسيقدر لطاقم العمل جهودهم. وتابع السحيمي: «مسلسل الجماعة والذي يمس تاريخ جماعة الإخوان كان عملا جادا»، مشيرا إلى أن العمل الناجح هو الذي ينتقد، مشيدا بالدراما المصرية هذا العام لأنها تقدمت خطوات للأمام. وشن السحيمي هجوما شديدا على مسلسل باب الحارة بقوله: «يؤكد مسلسل باب الحارة 5 أننا ظاهرة صوتية، المسلسل انتهى من الجزء الثاني وكان يجب أن يتوقف بعد الجزء الثاني وكان يجب على القائمين عليه التفكير في عمل آخر، لأنه مكتوب بطريقة القص واللصق ويعتمد على السيناريو الأفقي ويستند على دغدغة المشاعر الرنانة والرجولة والقيم الشعاراتية، واستدرك السحيمي «لكنه في المقابل يؤكد أننا سعودنا الدراما العربية فبسام الملا مخرج محترف والكوادر القائمة على العمل محترفة ولكنهم رأوا أن الجمهور أعجب بالعمل وبهر به ومستعد لأن يشاهده في أجزاء، ولكن العمل فاشل من بعد الجزء الثاني حيث إن أي عمل تستغني فيه عن البطل لا يكون عملا بل هو تهريج». ردود على الاتهامات لكن مخرج مسلسل باب الحارة مؤمن الملا رد على السحيمي بقوله: «لايوجد عمل فاشل وتهريجي يشاهده مائة مليون مشاهد في الوطن العربي ولو أنه كان عملا فاشلا لما حافظ على المركز الأول في المشاهدة طيلة خمس سنوات متتالية»، وأشار الملا «باستطاعتنا عمل مسلسل أقوى من باب الحارة لكننا لانضمن أن يحقق العمل نجاح وشهرة باب الحارة»، وشدد الملا على أن البطل في العمل قصته وليس نجومية أبطاله، لذلك العمل لم يتأثر كثيرا بخروج أبطاله بل ظل متربعا على عرش الدراما العربية، وأشار الملا إلى أن العمل يحظى بشعبية كبيرة لدى جميع شرائح المجتمع كونه عملا يحمل قيما وأخلاقا افتقدت في هذا الزمن، وبرهن الملا على أن رغبة الجمهور في مسلسل باب الحارة بأنه عندما تمم إنهاء هذه السلسة بالجزء الخامس فوجئنا بمطالبات كبيرة جدا بجزء سادس من العمل، مطالبا الملا منتقديه بصناعة عمل مشابه بباب الحارة إن استطاعوا، وأشار الملا إلى أن عرض بعض الأعمال في المحطات القوية مثل ام بي سي هو من يتوجها بالأفضلية بالرغم من وجود أعمال أكثر قوة. وبالعودة للسحيمي اعتبر أن مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة» عمل ممطط لا يختلف عن غيرة سوى بالإثارة، وهو الوجه الآخر لمسلسل «الحاج متولي» وأنه مسيئ للدراما المصرية، وهنا ترد بطلة المسلسل غادة عبدالرازق على السحيمي بقولها: «مسلسل زهرة» ناجح وأكبر دليل على ذلك نسبة المشاهدة العالية وردود الفعل كبيرة، معتبرة أن الدراما المصرية مازالت متفوقة عربيا وأن مسلسل باب الحارة ناجح لأنه استمر خمس سنوات ولايمكن لقناة أن تعرض عملا فاشلا طيلة خمس سنوات. ظلم للمسلسلات ورأى الكاتب أنس زاهد أن الكم الهائل من الأعمال التلفزيونية التي تعرض في رمضان، لم تعد بالنفع على الدراما ولم تنجح في أن تسحب البساط من البرامج الحوارية أو بقية الخدمات التي تقدمها القنوات الفضائية والمفترض أن تقوم بتقديمها، بل أدت إلى أن تخفي مسلسلات كانت جميلة وأديت بطريقة متقنة، حيث قال:«مسلسل ذاكرة الجسد من أجمل المسلسلات ولكنه لم يحظ بنسبة مشاهدة كبيرة، والتي يستحقها لسبب واضح وهو التزاحم الفضائي حيث لعب جمال سليمان دورا غير عادي، والمسلسل ليس خاضعا للشروط التجارية المعروفة، وهو كذلك عمل روائي، ولكن العمل لم يتوافق مع ذهنية المشاهد الرمضانية». ونصح أنس زاهد أصحاب الأعمال الدرامية بالاتجاه لعرض أعمالهم في بقية أشهر العام، مضيفا: «أصحاب الأعمال الدرامية يتورون على أعمالهم عندما يقومون بعرضها في شهر رمضان، لأنه لا توجد القدرة لأي منا في أن يشاهد في اليوم خمسين مسلسلا، ولو أتينا وعملنا إحصائية عن عدد المسلسلات التي تعرض في رمضان لوجدنا ربما تصل الأعمال إلى 70 أو 80 عملا دراميا يقدم، وأعتقد لو عملنا 15عملا في الشهر ربما تكفي، وهناك بقية أشهر السنة لماذا لا نقوم بعرض الأعمال في تلك الأشهر». وأضاف: «هذا الأمر يضر في الدراما، حيث إننا نجد أنه لا يوجد هناك مراعاة للبنية الدرامية أو مقوماتها للعمل، قدر ما تراعي مزاجية المشاهد في رمضان»، وتابع: «الآن أصبح هناك ذهنية معينة يطالب فيها المشاهد بالضحك والإثارة، وأحيانا الأعمال التاريخية، وأصبح هناك ذهنية لدى شركات الإنتاج وهي ماذا يجب أن يشاهد المشاهد، أكثر من أن تقدم عملا مميزا، وأتمنى أن تكون هناك وقفة تجاه هذا الكم الهائل من الأعمال فأتمنى أن يتم رحمة المشاهد من هذا الكم الكبير منها». وهنا يؤكد المخرج السوري نجدت إسماعيل أنزور صاحب عملين عرضا في رمضان هما «ماملكت أيمانكم» و «ذاكرة الجسد»، إن بعض المحطات الفضائية قدمت أعمالا سطحية على أنها الأكثر مشاهدة وإثارة فعلقوا المشاهد بها وسطحوا تفكيرهم فظلموا أعمالا درامية أكثر جودة. وقال: للأسف فإن الفضائيات لاتبحث إلا عن سروال وحارة ولاتبحث عن العمل الهادف الراقي. مطالبا بإيجاد مواسم موازية للأعمال الدرامية حتى لاتظلم الأعمال الجيدة وتختلط بالرديئة في رمضان، مشددا على أن كثيرين من النقاد غير موضوعيين في نقدهم للمسلسلات المقدمة بل إن بعضهم يشاهد حلقة من أصل ثلاثين حلقة ثم يحكم على العمل ككل، وتأسف أنزور على أن المحطات الفضائية هي من تفرض العمل الضعيف على أنه قوي بحكم قوة المحطة وليس العمل. الأعمال المحلية وعن رؤيته لمستوى الأعمال المحلية الدرامية السعودية في رمضان قال أنس زاهد: «الدراما المحلية لم تتقدم أي خطوة للأمام فمسلسل طاش كان يجب أن يكون بعد 17سنة أكثر احترافية ولكن شاهدنا وجود أخطاء في المباشرة والخطابية، ووجدنا أن المعالجة الدرامية ضعيفة جدا في حلقات، ونجد فيها خطابية (تجد أحدهم يحاضر لكي يوصل فكرته)، وهذا الامر ليس له علاقة بالدراما»، مضيفا: «أعتقد أن هناك أخطاء في الإخراج ومبالغات في الأداء الكوميدي، حيث هناك مبالغة غير مقبولة ممزوجة في طرق الأداء، فأعتقد أنه لا يوجد لديهم أي عذر، ونجد أن «بيني وبينك» ضحك في ضحك ولا يضيف شيئا للدراما السعودية بحكم متابعتي لأولى حلقاته، حيث إننا لم نجد أي تقدم في الدراما السعودية». دفاع الفنانين ويدافع المنتج والفنان حسن عسيري عن الأعمال الدرامية المحليه بقوله: «عندما يهاجم النقاد والصحافيون الدراما المحلية ينسون أننا نعمل في أجواء صعبة فالأب من بلد والأم من بلد آخر والابن والابنة كذلك إضافة لعدم وجود طواقم فنية سعودية محترفة كافية للكم الكبير من الأعمال المصورة لذلك نلجأ إلى الاستقطاب من الخارج»، وأضاف عسيري: «رغم كل تلك الظروف الصعبة إلا أننا صنعنا دراما محترمة ومنافسة». ووصف عسيري مهاجمة الأعمال الدرامية بالموضة السنوية التي تتكرر في كل عام وأن نقدهم غير موضوعي، قائلا: «كل الأعمال تهاجم بمافيها مسلسل باب الحارة الذي يتعرض لحملة هجوم شرسة رغم أنه من أنجح الأعمال العربية على مدار خمس سنوات». وشدد عسيري على أنه ماقدم في «بيني وبينك 4» كان أكثر من ممتاز بحكم ردة الفعل الإيجابية وماحمله العمل من أهداف ومضامين جيدة، مفيدا أن «بيني وبينك» وجبة درامية راقية خاطبت جميع شرائح المجتمع من خلال اللوحات والسيت كوم والكرتون، وطالب عسيري النقاد بتغليب نظرة التفاؤل على التشاؤم عند الحديث عن الدراما المحلية والتعامل معها بصورة تطورها وليست ناسفة للجهود التي تعمل على تطويرها والارتقاء بها. ورفض الفنان فايز المالكي الحديث عن الهجوم الكبير على الدراما المحلية في رمضان وقال: لا يعنيني سوى عملي فهو ناجح بدليل حصوله على أفضل مسلسل وحصولي على أفضل ممثل في استفتاء إذاعة الرياض، مضيفا: «حرصنا على تقديم أفكار جديدة بقالب كوميدي مختلف والحمد لله كانت ردود الفعل أكثر من إيجابية فمسلسلي متابع وحظي على نسبة مشاهدة عالية، وشكك في بعض الإحصاءات التي قللت منه، وقال المالكي: «ماقيل عن الدراما المحلية هذا العام أمر عادي فاختلاف وجهات النظر لايفسد للود قضية». الأرقام والإحصائيات وأمام اعتماد نجاح الفنانين في أعمالهم على الأرقام والإحصائيات فكل منتج يعتمد على الإحصاءات التي ترفع من عمله وفي المقابل يشكك في الإحصائيات الأخرى فتارة سمعنا أن مسلسل «هوامير الصحراء» حاز على أعلى مشاهدة وفق استفتاء موقع ام بي سي بنسبة 19.26% من أصوات المشاهدين بينما حصل مسلسل «بيني وبينك» على 17.51% في حين حصل طاش على نسبة 11.35%، ويتوسطهم «باب الحارة» بنسبة 14.13%، وفي استفتاء آخر أجري أخيرا في السعودية، أن قناة «ام بي سي» الأولى تصدرت نسب المشاهدة هناك وبنسبة 94%، وبفارق كبير جدا عن قناتي السعودية الأولى، وأبو ظبي اللتين حصلتا على نسبة 22 % من نسب المشاهدة لكل منهما. ولقد حقق الجزء الجديد من المسلسل الكوميدي السعودي «طاش ما طاش» المركز الأول في قائمة أفضل البرامج مشاهدة وبنسبة 59% في حين جاء مسلسل باب الحارة الحائز على المركز الثاني وبنسبة 55 % من عدد المشاهدين، وفي دراسة أخرى أظهرت أن مسلسل طاش يتصدر المشاهدة في السعودية يليه «بيني وبينك» ومن ثم مسلسل «باب الحارة» .. تضارب هذه الأرقام والإحصائيات ومدى دقتها ومصداقيتها فواجهنا بها النقاد حيث علقت الكاتبة أمل زاهد بقولها: «لا يمكن لنا الجزم بصحة تلك الإحصائيات التي تظهر وتبين معدل المشاهدة والأبرز بينها، مضيفة: «لا أعتقد أن تكون الإحصائيات التي تقدم في مواقع الانترنت صحيحة، وأعتقد ربما أن الإحصائيات التي تظهر تعود إلى كثرة الإعلانات التي تبين أن عدد المشاهدين كبير». ورأى محمد السحيمي النتائج التي تصدرها شركات الإحصاء تحتمل أمرين إما أن تكون هذه النتائج مجهزة من ذي قبل ولم يكن هناك أي تصويت، وإما أن يكون التصويت يأتي من طرف واحد ومن جهة واحدة ولا تستقبل أصواتا أخرى وفي كلتا الحالتين لا مصداقية للتصويت، حيث لو استعرضنا الكثير مما تعرضه مواقع الإنترنت نجدها مخالفة تماما لتلك النتائج، وكل هذا استفزاز للجماهير، ودعاية ربما تكون مدفوعة الثمن».