إرادة الله تنقسم إلى قسمين إرادة كونية قدرية، وإرادة كونية شرعية. فكل ما أمر الله أن يتعبد له به مما جاء في كتابه وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، فقد أراده الله كونا وشرعا، وما كان في الحياة مما يقابل الخير فقد أراده الله كونا ولم يرده شرعا، وشاء سبحانه وجوده لحكمة بالغة علمها من علمها وجهلها من جهلها، فلا يخلو مجتمع على وجه الأرض من وقوع الشر فيه حتى حصل ذلك في أطهر المجتمعات، وفي أطهر البقاع وأشرف حقبة مرت في تاريخ البشرية، ذلك زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام، وجرى تعامل النبي (صلى الله عليه وسلم) مع تلك الجرائم التي وقعت في زمانه على قاعدة (محاصرة الجريمة في أضيق دوائرها)، أقيم حد شرب الخمر على من شربه في زمانه (صلى الله عليه وسلم) وقصر الأمر على من شرب فقط، ولم يسأل الشارب عمن باع عليه ومن أين أتى به. وأقام حد الزنا على ماعز الاسمي، والمرأة الغامدية، ولم يوسع النبي (صلى الله عليه وسلم) نطاق الجريمة فيسأل ماعزا عن المرأة التي زنا بها، ولم يسأل الغامدية عمن زنا بها، بل إن النبي (صلى الله عليه وسلم) لما جاءه ماعز رضي الله عنه وقال له يارسول الله إني زنيت فطهرني أعرض عنه في الأولى والثانية والثالثة وقال له بعد ذلك: أمجنون أنت؟ قال: لا، قال له: لعلك قبلت، لعلك غمزت، قال لا بل زنيت.. والحديث معلوم، حقق معه النبي (صلى الله عليه وسلم) تحقيقا دقيقا لعله يجد له مخرجا أو شبهة يدرأ بها إقامة الحد عليه فلما لم يجد أقام عليه الحد بالرجم، ولم ينته الأمر عند هذا فحسب، بل إن ماعزا رضي الله عنه لما أذلقته الحجارة هرب إلى الحرة من شدتها فلحقه القوم وأكملوا عليه الرجم، فلما أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه، الله أكبر ما أعظم هذا النبي وما أيسر ما جاء به من الدين الحنيف، فهل يعي الدعاة والمصلحون (وخصوصا الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر) هل يعون هذا المنهج الدقيق الحساس تجاه الجريمة ومن يرتكبها، وهل للشباب المتحمس أن يتريث ويتعقل ويتبصر ويقيد حماسه الذي يدفعه دون تؤدة ولا روية إلى تطهير البلاد من الفساد بين عشية وضحاها وإلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت ودعاه جهله بعواقب الأمور وحماسه إلى ارتكاب ما من شأنه المحسوبية على الأمة كلها. [email protected]