هذه أول مرة أكتب إليك وأنا متأكد بأنك لن تقرأ ما كتبت ولن يستطيع أحد أن يخبرك بما كتبت !! لم يعد يربطني بك سوى هذا الحنين الذي يشبه البكاء .. كل شيء سقط يابو غنوة وبقي الحب وحده وأنا متمسك بهذا الباقي منك وكأنني أمسك المدى .. لم يعد يربطني بك سوى هذا الحنين الجارف الذي يبكي على واقعه المر.. تأتي صورتك كالأسطورة وعيناك تقفان قبالتي وصوتك يسد المكان وأنا أقف على شرفة الذكريات أستنهض الركام .. أستحضر أيامنا الأخيرة .. كلماتك لابني ( فراس ) ونحن نودعك بعد زيارة خاطفة لك في (لندن) (الله يسهل عليك يافراس ويرضى عليك دير بالك على أمك وأبوك) .. كنت أعصر روحي كإسفنجة بحرية تقطر دمعا أودما وأنا أودعك.. كان لدي إحساس القطار المغادر المتمرغ على القضبان.. القضبان التي لا ترجع !! أيام قليلة ما لبث أن نبت في أضلعي الحنين من جديد وعدت إلى (لندن) لأجدك على بعد خطوتين من نفسي تهطل عطرا وعسلا وماسا وكلاما جميلا.. وتدور في المكان.. تدور وتدور على شكل القلب وخارطته ثم تنام.. لتصحو صامتا.. ما أصغر الكلمات في حضرة صمتك الأبدي.. ما أضعفني وأنا العالم بكل تفاصيل مرضك وتعقيداته متمسكا بقشة الحياة أمام يقين غيابك الأبدي.. ياجبروت ابتسامتك الأخيرة قبل الرحيل.. أتذكر محاولتي الأخيرة لثنيك عن تدخين السيجارة وأنت تبتسم قائلا (إن أصعب شيء على المدخن هو أن يطفئ سيجارته بعد إشعالها يا أبو فراس) دخنتها وأنت تسعل وتؤكد بيقين (ما عادت تفرق يا فؤاد)، ثم توضح ممازحا هذه الزاوية الوحيدة في المستشفى التي يسمح فيها بالتدخين لأن نزلاء هذا القسم (مودعين)، لقد صبرت ياحبيبي على مرض أقسى جرائمه تشويه مشاعر المريض.. تخريبها.. الإخلال بها.. العبث بها على هواه.. يحولها إلى ثور في متحف خزف.. يحول المخدة تحت السرير إلى حذاء به حصى.. إلا أنك كنت صبورا.. لم تئن.. لم تشتكِ.. لم تكن عبئا على أحد بل كان هذا أكثر ماكنت تخشاه حتى اللحظة الأخيرة.. فبقيت خفيفا.. لطيفا على أسرتك وخليلك (عبدالمحسن الحليت) الفارس النبيل الممهور بختم على أقدام التاريخ كنموذج حقيقي للوفاء في أقصى بياضه.. وكان إصرارك طيلة الوقت على خدمة نفسك بنفسك قرارا لا رجعة فيه ولا تفاوض.. وتلقيت كل الأوامر بالصبر وروح الدعابة ورحلت بالضبط كما طلبت وتمنيت قبل أن تصبح عبئا على أحد (يارب تأخذ وديعتك وغبار الطريق على قدمي) لم تكن من أولئك الذين يفزعون أمام دنو الأجل.. استمررت تعيش بحواسك الخمس.. ظل التفاؤل الأكثر استدامة وتعاقبا في كل تصرفاتك.. ظللت تحب وتمنح.. ظللت لطيفا وبسيطا وأليفا وحقيقيا وحتى آخر لحظة رغم أن الألم ينتشر بين أسنانك.. كنت صابرا صبرا يتجلى بأبعاد أسطورية في تعاملك.. آن الأوان يا بوغنوة أن أعترف لك بأن ذلك (الفؤاد) الذي كان يتقمص دور الآلة الثابتة القوية أمامك والذي كان يبتلع أصابع الانفجار ويتنكر بالبطولة.. يغزوة الحزن اليوم كقبيلة تغطي الكون وينظر في الأفق فلا يجد سوى غيابك.. وأنك تسافر في قلبه كعمر متشرد وأن أقسى ما يواجه هو أن يغمض عينيه على قاع ظهرك وأنت ذاهب إلى وادٍ ترتاح فيه!!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة