تلقيت خبر وفاة الشاعر المبدع محمد الثبيتي في اليوم التالي لوفاته السبت 11/صفر/1432ه، إذ كنت في القاهرة للمشاركة في معرض الكتاب الدولي، الذي ألغي في لحظاته الأخيرة.. تألمت كثيرا لما آلت إليه نفوسنا من إهمال وعدم تقدير للرواد.. فلا نكاد نتذكرهم ونتأسف عليهم إلا بعد رحيلهم ومغادرة دنيانا الفانية، تفترسهم الأمراض والوحدة.. وكأننا نتمثل أو نحقق ما سبق أن قاله الرائد محمد حسين زيدان: «نحن مجتمع دفان». عدت بالذاكرة إلى أول لقاء جمعني بالمرحوم محمد الثبيتي قبل أكثر من عشرين عاما، إذ كنت في زيارة لمدينة جدة، فنزلت ضيفا على الصديق عبد السلام الوائل، الذي كان يدرس في جامعة الملك عبد العزيز، وقد استقبلني فوجدت عنده مجموعة من الشباب، أذكر منهم الأساتذة محمد الثبيتي، وعبده خال، وهاشم الجحدلي، وغيرهم. وكنت أعاني من أعراض مرض الربو وكان كل منهم يحمل بين أصابعه سيجارة لا تكاد تنطفئ، مما حملني على استئذانهم بالذهاب للنوم في غرفة أخرى. قابلته الثبيتي للمرة الثانية على هامش المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالرياض، وكان قد صدر له ديوان (التضاريس)، وقد ازدادت شهرته وأصبح محط اهتمام الكثير من الأندية الأدبية وغيرها، فالكل يدعوه لإحياء أمسية شعرية.. حتى كانت الهبة المعارضة من بعض الشباب المتطرف والرافض لهذا النوع من الشعر الحداثي (العلماني) النكرة، فعملوا على إجهاض حفل تكريمه بنادي جدة الأدبي. دعوته لمشاركة بعض الشباب المختارين لتمثيل المملكة في مهرجان الشعر والقصة لشباب دول الخليج العربي، والتي ينظمها مجلس التعاون الخليجي بدولة الإمارات، وبعد موافقته وحضوره للرياض لإحدى دورات المهرجان الوطني للتراث والثقافة، ولكنه لم يسافر مع الوفد دون أن يذكر الأسباب. تابعت أخباره بعد ذلك وآخر مشاركاته الأسبوع الثقافي السعودي المقام باليمن مطلع عام 2008م، وقبل ذلك بسنوات فوزه بجائزة البابطين للشعر، واستضافته بالمهرجان الثقافي الكبير المقام بالجزائر، وإلقائه قصيدته المختارة (موقف الرمال.. موقف الجناس) التي فازت بجائزة ذلك المهرجان. بعيد عودته من اليمن وإحيائه ضحوية شعرية بحضرموت وما تركته من أصداء في نفسه جعلته يعيش نشوة كبيرة لم يفق منها إلا بعد أن سمعنا بإصابته بجلطة في القلب أفقدته الوعي، وجعلته يتنقل بين مستشفيات عدة في مكةوجدة، وأخيرا مدينة سلطان للخدمات الإنسانية بالرياض والتي استضافته لنحو ثمانية أشهر، وكانت تطالبه بالرحيل بعد كل شهرين أو ثلاثة، على الرغم من أنه قد نقل إليها بأمر ملكي وعلى حساب وزارة الصحة.. ولم يبق الأشهر الثلاث الأخيرة إلا بعد حملة صحافية واسعة وزيارة وحيدة من وزير الثقافة والإعلام، الذي صرح بأنه سيهتم بأمره.. ولكن لم يمض أكثر من أسابيع حتى صدر الأمر بخروجه.. وقد حمل على سيارة إسعاف إلى المطار وبقي لساعات طويلة، إذ لم يجهز له مكان مناسب في إحدى الرحلات المغادرة لجدة، مما حملهم إلى إعادته مرة أخرى للمصحة حتى يهيأ له مكان مناسب برحلة في اليوم التالي.. وهكذا عاد إلى منزله المستأجر بمكة ليعاني وحوله أبناؤه، حيث قضى معهم بضعة أشهر، وفي إحدى المرات نقل إلى المستشفى لتردي حالته الصحية، فلفظ أنفاسه الأخيرة رحمه الله وكما قرأت بأن العقوق والنكران صاحباه حتى المقبرة، إذ لم يمش في جنازته إلا القليل. يجب، والحق يقال، ألا ننسى ما بذله ابنه البار (نزار) والذي رافقه طوال أشهر بقائه بالمستشفى بالرياض تاركا دراسته ومضحيا بمستقبله في سبيل الوقوف على رعاية والده.. وكنت أزوره بين وقت وآخر وأعرف ما يعانيه شاب مثله من العيش في غرفة صغيرة وبجوار مريض لا يعي ولا يتألم، وهو يقلب على جنبيه أو ينقله غلى كرسي متحرك يخرج به عصارى الأيام ليرفهه ويسري عنه حول الحديقة ومجرى الماء خارج مبنى غرف النوم. زرته مع أبنائي يعرب وعبد الله مرات وأصادف عنده أحيانا بعض الأصدقاء، كسعيد الغامدي، وأحمد الدويحي، وفهد الربيق، وفي مناسبات المعارض والمهرجانات الثقافية يتسابق إليه بعض الضيوف مثل جبير المليحان، ويوسف العارف، وسلطان القحطاني وغيرهم. وعند زيارتي له بمفردي كنت أتبادل الحديث مع ابنه (نزار) حول معاناة أسرته وزياراتهم لوالدهم عن طريق البر، واستعارتهم سيارة أحد الأقارب ليسافروا بها وبقاء شقيقه يوسف لينام بالسيارة بضع ساعات، لأنهم سيعودون لمكة بعد الزيارة لعدم قدرتهم على تحمل نفقات السكن، وكنت أسأله عن هواياته وعن الكتب المناسبة لتسهم في قتل الملل والضجر، وكان يميل للسير الذاتية والرواية التي أحضرت له شيئا منها، وكذا في إحدى الزيارات قال إنه قد هاتف أحد أقاربه ليذهب معه لوسط المدينة لشراء بعض المستلزمات الشخصية له من ماء وبسكويت، وأدوية لوالده طلب أحد الأطباء إحضارها عن طريق الشراء لعدم توافرها بالمدينة الطبية، فرفضت حضور قريبه وطالبته بالاعتذار إليه، وذهبت به إلى وسط المدينة، التي تبعد نحو 40 كم، وكان الأخ سعيد الغامدي يتابع لأشهر وزارة الشؤون الاجتماعية للحصول على كرسي متحرك وسرير مناسب، وانتهى أجله ولا أعرف ماذا تم؟. وقد ذكر لي ولده نزار قبل نقل والده من المستشفى بالرياض بأن أحد الأطباء قد ذكر له أن هناك مستشفى متخصصا بألمانيا بمثل هذه الأعراض من الأمراض، وأنه سيكاتبهم حول وضع والده، ولم أعرف ماذا تم حيال ذلك. على أي حال لقد أخذ الله أمانته، وقضي الأمر، ولا حيلة لنا بذلك، ولا راد لقضاء الله.. بقي أن نساهم في تخليد ذكر المبدع الثبيتي إلى جانب ما خلد به نفسه من إرث شعري أجمع الكل على علو شأنه وريادته، واحتل به المكانة البارزة والمتقدمة بين جمهرة الشعراء المبدعين في الوطن العربي الكبير. لا ننسى ما قام به نادي الرياض الأدبي ممثلا برئيسه الدكتور الشاعر عبد الله الوشمي في إقامة ليلة محمد الثبيتي في الصيف الماضي وقت وجوده بالرياض، وحضور نجله نزار ومجموعة من أصدقائه ومحبيه، حيث شاركوا بكلمات وقصائد وقدم الفنان فهد الربيق لوحة تشكيلية جميلة تحمل تواقيع عدد من محبيه. إضافة إلى ليلة أخرى، ولكن بعد وفاته بيوم واحد من باب الرثاء والتأبين، وكذا ما قام به نادي حائل الأدبي من تسجيل مختارات من قصائده بشريط أو (قرص مدمج) وزع بشكل واسع إلى جانب طباعة مجموعته الشعرية الكاملة، كل هذا تم وهو نزيل المستشفيات لا يحس ولا يشعر والكل يأمل ويرجو رحمة الله أن يزول ما ألم به، ولكن أمر الله غالب. سيمر علينا وبنا زمن طويل، ونحن نحفظ ونردد مفرداته الجميلة فهل نحلم بتخليد ذكراه بشارع يحمل اسمه في بلدته التي احتضنته وشهدت نبوغه مكةالمكرمة وكذا مسقط رأسه الطائف، إضافة لقيام وزارة الثقافة والإعلام بالتكفير عن عقوقها وإهمالها له بطباعة مجموعته وما قيل عنه، وأن تسمى إحدى القاعات الثقافية في أحد الأندية الأدبية باسمه أو تقيم مركزا ثقافيا بالطائف يحمل اسمه أيضا. ولعلها فرصة مناسبة أن نفكر بالرواد الآخرين ونحلهم ما يستحقون من مكانة وقيمة. وبالله التوفيق [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 143 مسافة ثم الرسالة