من أبرز الملامح الإنسانية الجميلة التي نتجت عن أمطار الأربعاء في جدة تعزيز التلاحم بين أفراد المجتمع السعودي، واندفاعهم في تقديم يد العون والمساعدة سواء في الميدان أو من داخل بيوتهم بترحيب الأسر التي وجدت نفسها أمام كارثة المطر، مترجمين بذلك أروع الصفات النبيلة التي يتمتعون بها وحثت عليها شريعتنا، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وأيضا «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». وأكثر ما شد انتباهي في أمطار الأربعاء، اندفاع الكثير من الشباب والجمعيات في استخدام كل الوسائل التقنية وتسخيرها في خدمة المجتمع، فالفيس بوك والتويتر لم يتوقفا في توجيه النداء، والجوال لم يتوقف عن الرنين، وكل هذه المعطيات شكلت بادرة قوية في مساعدة وإنقاذ أفراد المجتمع. وتعددت بعد ذلك أوجه المساعدات، وكون الشابات والشباب حلقة تطوع إنسانية، وكان جهدهم بارزا وملموسا في خدمة أولئك الذين تعرضوا للكارثة، كما بذلت الجمعيات الخيرية دورا كبيرا من خلال تواجدها في كافة الأحياء التي تعرض أهاليها للمطر. بالتأكيد كل هذه الملامح والصور الإنسانية ضرورة تقتضيها الظروف، ولكن مع انتشار أوجه المبادرات الخيرية فإن الأمر يتطلب وجود جهة مرجعية تتولى تنظيم الأعمال التطوعية، حتى تكون هذه الخدمات مقننة وتصل وفق آلية ورؤية واضحة. ما دعاني إلى كتابة ذلك، تشتت بعض جهود الجهات الخيرية التي تندفع في خدمة المجتمع ويكون لها دور كبير وفعال، ولكنها في النهاية تجد نفسها بعيدا عن التقدير، ومن هذا المنطلق فإن تنظيم آلية الأعمال التطوعية يعزز من الأعمال الخيرية، ويسهم في إيصال الخدمات في أسرع وقت دون التداخل بين كافة الجهات التي تقوم بنفس الأدوار. وأخيرا.. اقترح متواضعا، أن تخصص الدولة أوسمة لكل المتطوعات والمتطوعين، وأن تكون لهم الأولوية في الكثير من الخدمات، بجانب امتيازات وحوافر مشجعة، لأنه بدون هذه الفئة لا يمكننا التصدي لأية كوارث «لا سمح الله» مهما كانت الجهود المبذولة، ولنا في أمطار «الربوع» عبرة وملمح لا يمكن نسيانه أبدا، ولنا في المتطوعات والمتطوعين أنموذج يحتذى به، والله من وراء القصد.