من فوائد المصائب والكوارث والأزمات أنّها تُعرّي المسلَّمات، وتُظهر خصائص المجتمعات، ومدى حيويتها واستجابتها وتفاعلها مع الأحداث. وفي فاجعة جدة ظهر -للأسف الشديد- مجتمعنا الاتكالي السلبي غير المبادر. لست أنفي بعض المبادرات الضعيفة من طلبة قليلين متطوعين، وسيدات قليلات متطوعات وبعض جمعيات. ولكنّها على كل حال عاطفية لا تفي بالغرض، ولا تبلغ مستوى الحدث، وهي مشكورة من الناس ومأجورة بإذن الله. ولكن أين من الكارثة رجال الأعمال والأغنياء والبنوك والمؤسسات التجارية الكبيرة والصغيرة؟ لماذا يظلُّ أبناء المجتمع هؤلاء ومؤسساتُهم مشاهدين ومعتمدين على ما تقوم به الدولة، دون مشاركة أو مبادرة منهم لخدمة مجتمعهم الذي يعيشون فيه، والذي وفر لهم بعد الله البيئة التي حققت لهم المكاسب والنجاح؟ إن أقلّ ما يقال عن هذه السلبية، وعدم المساعدة في رفع الضرّ عن مدينة جدة، وبنيتها التحتية، وسكانِها، وعائلات المتوفين، والممتلكات المفقودة، أو المهدومة، أو المعطوبة؛ أنّها أنانية مفرطة، وانعدام للتجاوب الانساني، وفقد الشعور بالمواطنة. هؤلاء الذين يسيل لعابُهم للاستثمارات والمناقصات ومدخرات المواطنين والمشروعات الحكومية وغير الحكومية؛ يتابعون الأحداث من شرفاتِهم الفارهة، وينتظرون كعكة اقتسام الأرباح، ومظاريف المناقصات المغلقة والمفتوحة ليضيفوا أموالاً إلى أموالهم. وهذا نكران للجميل وتخلٍ عن الواجبات الغريزية لمن يحب وطنه وأهله ومجتمعه. وبرغم أن إسلامنا يحثنا على التعاون والتكافل والمشاركة في الآلام والأحزان، ونردد كل يوم ‘‘مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى'' إلاّ أنّها محفوظات قرأناها في المدارس للتسميع ولم نتعلم التطبيق! وبعكسنا نرى المنظمات الانسانية والتطوعية والتجارية والأغنياء والصناديق الخيرية عند غيرنا من غير المسلمين، تساهم وتبادر في وقت الكوارث بالأعمال الميدانية والخيرية والانسانية بكثرة وفاعلية أكبر أحياناً من مساهمات دولهم وحكوماتِهم. إن الدولة لم تبخل، ولكن علينا أيضاً واجبات الاخلاص والمواطنة وأخلاق الإسلام. 026821426 فاكس [email protected]