أثناء توقفي بسيارتي عند إشارة المرور في شارع رئيسي في جدة، اقترب صبي متسول من السيارة التي أمامي وأخذ يطرق نافذتها ويطلب صدقة. في تلك اللحظة تحول ضوء الإشارة إلى أخضر، ولكن السائق الذي أمامي لم ينتبه وانهمك في إخراج محفظته من جيبه. أخذت السيارات خلفي تطلق أبواقها الصارخة، ثم قامت بالانعطاف إلى اليمين لتتخطى السيارات المتوقفة أمامها بشكل فوضوي وخطر، وكادت بعض السيارات أن تصطدم ببعضها، وصاحبنا في السيارة التي أمامي «ولا كأنه معنا». كل هذا بسبب متسول صغير !! وتمنيت ساعتها أن يكون هناك نظام يعاقب هؤلاء السائقين الذين يعرضون أنفسهم والآخرين للخطر، ويربكون الحركة بسبب إصرارهم على التصدق عند إشارات المرور. المفروض أن يكون المتسول هو شخص سدت في وجهه كل طرق الكسب المشروع، وأصبح من الصعوبة عليه العيش دون طلب المعونة من الآخرين. والمفروض أيضا أن يكون المجتمع مسؤولا ويضع الآلية المناسبة لكي تسود روح التكافل واحترام إنسانية الإنسان، ولتجنيب أفراده السؤال المذل في الطرقات والأماكن العامة. ولكن التسول تحول اليوم في بعض المجتمعات (ومنها مجتمعنا للأسف) إلى ضرب من النصب والخداع، وابتزاز عواطف الطيبين واستغلال طيبة المحسنين، لتجميع المال والإثراء على حسابهم. أصبح التسول للأسف نوعا من الاستثمار، والمهنة والصنعة، وبقي أن يطلق المتسول على نفسه لقب «رجل أعمال» وصاحب وظيفة. لهذا السبب أزعجنا الخبر الذي نشرته صحيفة محلية، أنه قد تم القبض على أكثر من ستين ألف متسول في مدينة الرياض، أكثر من ثلثيهم من الوافدين المقيمين بصورة غير نظامية، وأكثر من ربعهم من النساء والأطفال. أتوقع أن يكون عدد هؤلاء المقبوض عليهم لا يمثل سوى أقل من ثلث عدد المتسولين في الرياض! وبحسبة بسيطة نجد أن لكل ثمانية وعشرين ساكنا من سكان الرياض هناك متسول واحد على الأقل، أي أن أكثر من 3.5 في المائة من سكان الرياض عاصمة البلاد يمارسون التسول ويعيشون عليه. وأكاد أجزم أن أعداد المتسولين في منطقة مكةالمكرمة هي ضعف أعداد المتسولين في منطقة الرياض على الأقل. واتضح من الدراسات أن تعاطف المجتمع السعودي مع المتسولين (وطيبة القلب) قد أسهم في تنامي ظاهرة التسول. الأمر في غاية الخطورة، أمنيا واجتماعيا. لا بد من التفكير جيدا في منح المواطنين القادرين على العمل (ولا يجدونه) إعانة شهرية، نقدا أو بأي صورة أخرى، إلى أن يجدوا العمل الذي يجيدونه ويمكنهم التعيش من خلاله مع الحفاظ على كرامتهم. لا بد من توفير كل الآليات التي تجنب المواطن التسول علنا في الطرقات. أما المتسولون من الوافدين والمقيمين فيجب رصدهم وإعادتهم إلى أوطانهم وعدم السماح لهم بالعودة إلى المملكة إلا بعد عدد من السنوات، فهؤلاء خطر على أمن المجتمع وسلامة المواطنين وعلى أنفسهم أيضا. كما أنه يجب وضع عقوبات على كل من يشجع على التسول، وخاصة عند إشارات المرور وخطوط الحركة. وطالما أن التسول قد تحول إلى مهنة مربحة، فلربما فكرت وزارة العمل في سعودة هذه المهنة، فتريحنا وتفتح باب الرزق لفئة خاصة من المواطنين الذين برعوا في خفاياها. وبذلك يصبح لدينا «اكتفاء ذاتي» فنتجنب «استقدام» المزيد من المتسولين! أما إذا ترك الأمر على حاله، وامتلأت مدننا بالمتسولين الوافدين من شتى أنحاء العالم، فلربما تدخلت الهيئة العامة للاستثمار وطبقت أنظمتها العبقرية على هذه المهنة، وقننتها، باعتبارها نوعا من استثمار رأس المال الأجنبي الذي سوف يدر على الدخل القومي ثروات طائلة!! ونعود إلى الحديث الجاد فنؤكد أن التسول ظاهرة بشعة، اختفت من جميع المجتمعات المتحضرة، وتضر الآن بصورة المجتمع السعودي وتعرض أمن المواطن وأمانه لمختلف أنواع المخاطر، في منزله وسيارته وفي الأماكن العامة. ظاهرة لا بد أن نتكاتف ونتعاون جميعا للقضاء عليها من خلال إجراءات أمنية، ومن خلال توعية اجتماعية واقتصادية، وقبل كل شيء توعية دينية، وخاصة من قبل أئمة المساجد. فهذه الظاهرة المؤلمة تتعارض مع أصول الدين الحنيف، ومع صورة المجتمع الإنساني المتحضر. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 129 مسافة ثم الرسالة