الأم تنتهز فترة غياب الأب لتشاهد المسلسلات العربية وبرامج الطبخ لأنه لا يترك لها مجالا، والابنة تأخذ لها متنفسا من الدراسة وتهرع إلى أحضان التلفزيون وترتمي بين أحضان مسلسلات تركية أو برامج الأزياء والموضة وعندما يتسلل إليها الملل تضع سماعات الراديو وتحلق في سماء الإذاعة. الابن عادة يهتم بالإذاعة يسمعها في السيارة وأينما كان، حائرا بين تردداتها يقدم إهداءه ويشترك في مسابقاتها ولا يمنع من متابعة القنوات والبرامج الرياضية إن كان متواجدا في المنزل. وعند عودة الأب يكون الريموت كنترول بيده ويكون هو المسيطر على الوضع بين البرامج السياسية ونشرات الأخبار والقنوات الدينية من قناة إلى أخرى ومن برنامج إلى الذي يليه ولا يتركه إلا عندما تحين ساعة النوم حتى وإن كانت الصحيفة في يده يكون الريموت بجانبه. تناهز ال400 قناة مرئية وأقل منها مسموعة بين مشفرة ومفتوحة. هذا الزخم الهائل من القنوات هل هو حالة صحية أم مرضية؟ بلا شك هو عبء يثقل كاهل المشاهد والمتابع للإذاعات المسموعة والمرئية، وهي لا تتيح له فرصة للاختيار بل هي ومن حيث لا تعلم تجبره على مغادرة عالمها المكتظ بالسلبيات والمتناقضات. قنوات دينية تنتهج انتماءات معينة يقابلها قنوات أخرى مضادة لها في الاتجاه مساوية لها في عدد ساعات البث وعدد جرعات محاولة جذب المشاهد إلى جانبها. في هذه الحالة تسوق القنوات لبعضها كأن تقول للمشاهد شاهد الآخر لترى افتراءاته وضلالاته. عملية إعلانية من حيث لا تدري. يتم إغلاق البعض منها لمبررات قد لا تكون مقنعة ومن ثم تعاود البث بدون اعتذار أو ذكر أسباب والمحتوى كما هو والمشكلة التي بزعمهم تم بسببها إغلاق القنوات ما زالت قائمة. بات المتابع للساحة الإعلامية حائرا بين هذه وتلك وقد يكون اختياره بالنهاية الهرب منها إلى عالم الإنترنت وهجر بلا عودة القنوات التقليدية الإعلامية من مسموعة ومرئية. من أيام طالعتنا الصحف بافتتاح قنوات جديدة وإذاعات حديثة منافسة. هل حقا ستنافس وبقوة لصالح المشاهد العربي أم ستضعه في دائرة مفرغة يدور حول نفسه. أصبحت ثقة المتابع لوسائل الإعلام شبه معدومة بها، يقرؤها ولا يصدقها يشاهدها ولا تقنعه ويسمعها ولا تطربه. وفوق هذا وذاك تتخمه بالمزيد والمزيد منها. إلى حد أنه يشعر بالغصة من جرائها فلا هو يبتلعها ولا هو يخرجها ليتنفس إعلاما نقيا وصحيا. هيفاء عوض باعيسى أبها