ينشغل أهل الثقافة هذه الأيام بالحديث عن جائزة الشيخ زايد وما رافقها من فضيحة أخلاقية تجسدت في عدم تبين المحكمين في لجنة الجائزة لسرقة أدبية احتوى عليها كتاب حفناوي بعلي الذي رشحه المحكمون لنيل جائزة الشيخ زايد في النقد الأدبي، وصادقت لجنة الجائزة على ترشيحهم إلى أن ظهر من خارج الجائزة من أبان ما في الكتاب من سرقة، مما أحرج لجنة الجائزة واضطرها إلى التراجع وسحب جائزتها من الفائز. أن يقدم أحد الكتاب على السرقة الأدبية هو أمر لا يدعو إلى الاستغراب والدهشة، فهناك كثيرون يمارسون الكتابة من أجل الشهرة والسمعة، وليس حبا وانجذابا إلى ما يقومون به من عمل، لذلك هم لا يبالون أن يكذبوا وينسبوا إلى أنفسهم جهد غيرهم كي يحققوا لأنفسهم إشباع شهوة الشهرة، وإن كان على جهد غيرهم. وأذكر هنا مقالا قديما قرأته للدكتور نجيب زكي محمود رحمه الله حين تحدث عن أمثال هؤلاء فشبههم بطائر يسمى أبو زريق، وهو طائر صغير الحجم كاليمامة يتصف بأنه كما يقول عنه: «ينهب حصاد غيره، فغيره يعمل وهو الذي يحصد، ويريد أبو زريق مثلا، أن يضع البيض، فلا يهم ببناء العش الذي يبيض فيه، وينتظر ويرقب الطيور الجادة العاملة حتى إذا ما وجد طائرا منها قد فرغ لتوه من إقامة عشه بين غصون الشجر، انتهز صاحبنا أبو زريق فرصة غيابه سويعة وقفز إلى العش الجاهز ورقد فيه ليبيض». وإذا كانت طيور أبو زريق تنتشر بيننا ويتكرر ظهورها من حين لآخر، فإن اللوم لا يقع عليها، فهي تتصرف بغريزية وفطرة بهيمية لم يستطع أن يهذبها ما تدعيه من ثقافة وفكر، لكن اللوم الأكبر هو على لجان التحكيم التي لا تقل فضيحتها عن فضيحة السارق نفسه، ولست أقبل ما دافع به الدكتور الغذامي من أن عدم اكتشاف المحكمين للسرقة هو خطأ بشري شبهه بخطأ الطبيب. فكوننا بشرا معرضين للخطأ لا ينبغي أن يكون عذرا لنا نتحرر فيه من مسؤوليتنا من الأخطاء التي نرتكبها. هناك فرق بين خطأ يقع خارجا عن إرادة الإنسان وخطأ يقع بفعل التقصير والإهمال. وعدم اكتشاف المحكمين للسرقة رغم أنهم مجموعة وليس واحدا، يدل على أحد أمرين: إما أن يكون المحكمون غير مؤهلين بالقدر الكافي، لا يقرؤون ولا يتابعون كل الإصدارات المتعلقة بمجال تخصصهم، وإما أن يكونوا غير محترمين للمهمة التي أوكلت إليهم، فلم يعطوها الاهتمام الذي تستحق من القراءة والمراجعة والتحقق. لذلك فإن هذه القضية لاينبغي أن يسقط فيها حفناوي وحده، وإنما يجب أن يسقط معه أيضا المحكمون الذين أجازوا عمله. هؤلاء المحكمون جزاؤهم الكشف عن أشخاصهم، وأن تشطب أسماؤهم من قوائم المحكمين في أمانة الجائزة، فهم غير جديرين بأن يبقوا مستمرين في عمل أثبتوا فشلهم في أدائه كما يجب. ليس هذا فحسب، بل إن لجنة الجائزة نفسها يجب أن تحل وأن يعاد تشكيلها من جديد بأسماء أخرى جديدة، فأعضاء اللجنة وإن كان ليس مطلوبا منهم مراجعة العمل المحكم، إلا أنهم مسؤولون عن اختيار المحكمين، فما المعايير التي اعتمدوها عند اختيار تلك الأسماء ؟. إن مسألة اختيار المرشحين لمهمة ما، هي مسألة خطيرة وقضية يعاني منها العالم العربي في أمور متعددة وليس في الجانب الثقافي وحده، فما يشيع غالبا هو أن الاختيار للأسماء المرشحة لعمل من الأعمال أو لجنة من اللجان لا يكون بناء على الكفاءة والمهارة والجودة، وإنما هو غالبا يحدث لاعتبارات أخرى، هي في صفتها أبعد ماتكون عن ذلك كله. وهذا ما يجعلني أحمل لجنة الجائزة مسؤولية عدم الاجتهاد في حسن اختيار المحكمين. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة