عندما تكاثر طرح الأسئلة الفقهية الغبية على مشايخ الفضائيات بغرض الحصول على فتوى بشأنها، ظهر بين الناس من ينتقد أولئك السائلين ويوبخهم على تفاهتهم وسطحيتهم، وعد ذلك تمحكا منهم، فيه إساءة إلى الدين، بل بلغ الأمر ببعض أولئك المنتقدين حد المطالبة بمعاقبة من يسأل أسئلة لا فائدة منها بعيدة عن واقع الحال. أن يوجد بين الناس من هو ساذج أو تافه فيسأل أسئلة فقهية تدل على مضمون تفكيره، هو أمر طبيعي، فنحن لا نتوقع من كل الناس أن يكونوا مفكرين أو عميقين أو قادرين على التمييز الجيد بين الأشياء. ولكن ما يبدو غير طبيعي يدعو إلى الإنكار هو أن يجد أمثال أولئك السائلين من يستجيب لهم باهتمام ويأخذ استفساراتهم مأخذا جادا، فتأتي الردود متضمنة السخف الذي تحمله الأسئلة نفسها، وهنا لا يزيد المجيب على أن يكون هبط بنفسه إلى درك السائل السطحي. على أية حال، إن الأسئلة التافهة ليست حكرا على قومنا في هذا العصر، فالناس هم الناس في كل زمان ومكان. وفي كتب التراث نماذج ليست قليلة من أسئلة الحمقى الذين كانوا يطرحون أسئلتهم على الفقهاء، فتكشف ما هم عليه من بلادة وحمق، إلا أن الفقهاء الذين كانت تطرح عليهم تلك الاستفسارات البليدة، ماكانوا يأخذونها بجدية كما يفعل فقهاؤنا المعاصرون، وإنما كان الفقيه يجيب السائل باستخفاف يليق بوزن سؤاله. وإذا كان من التجني لوم العوام والبسطاء من الناس متى سألوا أسئلة سخيفة وغبية، لاعتبارات تتعلق بوجود الاختلاف في القدرات الفطرية بين البشر أو لسعة التفاوت بين الناس في درجات المعرفة العلمية، فإنه لا يوجد ما يعفي غيرهم من الذين يعدون أنفسهم فقهاء ومفتين أو قضاة، من اللوم، متى صاروا هم أيضا يطرحون افتراضات سخيفة يبنون عليها أحكاما فقهية يسترشد بها العامة؟ في كتاب المغني لابن قدامة، نصيب طيب من تلك الافتراضات الفقهيةالسمجة، التي لا أدري كيف تقبلها العقول وتتعامل معها بمثل تلك الجدية. هناك افتراضات بلغت الغاية من السخف يطرحها الفقهاء ثم يبنون عليها أحكاما فقهية مثل حكم: «من عاشرته زوجته وهو نائم أو مغمى عليه (!!) ليحلها لزوجها الأول، لم تحل».. أو «من قال لزوجته وفي فيها تمرة: أنت طالق إن أكلتها أو القيتها أو أمسكتها، فأكلت بعضها وألقت بعضها، لم يحنث».. «وإن قال لها: شعرك أو ظفرك طالق، لم تطلق».. أما «إذا قال لها: نصفك طالق أو يدك أو عضو من أعضائك طالق، طلقت طلقة واحدة».. هذه الأحكام الفقهية مطروحة لحل إشكالات صاغها الفقهاء من خيوط افتراضاتهم، التي لا تختلف كثيرا عما تسمعه من افتراضات المغالين من عوام السائلين، خاصة ما كان منها متصلا بالعلاقة بالنساء. يوم غد سأحدثكم إن شاء الله عن ما جاء في المغني بشأن بعض الأحكام في حق الزوجة. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة