بدأ عبد الرحمن بن عوف تجارته في المدينة من جمل اشتراه بالدين، ثم باعه بالسعر نفسه دون أن يربح منه إلا العقال أو الخطام وهو الحبل الذي يربط به، ثم اشترى جملا آخر بالدين وباعه بالسعر نفسه وربح الحبل، وصار يجمع حبلا على حبل وعقالا على عقال، ثم باعها بثمن يكفي لشراء جمل، وصار يشتري ويبيع جملا بعد جمل، حتى تجمع لديه عدد كبير من الجمال، وبعد فترة وجيزة دخل على النبي عليه الصلاة والسلام وبه رائحة عطر، فسأله النبي قائلا: «مهيم:(أي ما حالك )، قال: تزوجت امرأة، قال: فما أصدقتها ؟ أي ما دفعت لها مهرا؟، قال: وزن نواة ذهبا، قال: أولم ولو بشاة».. دخل المدينة بلا درهم ولا دينار، وها هو بعد فترة بسيطة يقدم مهرا لامرأة وزن نواة ذهبا، وامتلأت يداه بالمال فملكه، ولكن المال لم يملكه. وحين طلب المصطفى من الناس أن يبذلوا لتجهيز جيش العسرة، كان عبد الرحمن بن عوف يملك ثمانية آلاف دينار، فأحضر نصفها وقدمه للمصطفى عليه الصلاة والسلام، وقال له: «كنت أملك ثمانية آلاف فأمسكت نصفها لي ولأولادي،وجئتك بالنصف الثاني أقرضها لربي، فقال له: بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت».. وقدم عبد الرحمن بن عوف مثالا حيا لمن ملك المال، ولكن المال لم يملكه، وبه وبعثمان بن عفان وبكل الذين بذلوا في سبيل الله نزلت هذه الآية: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى، لهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).. وصار ماله يتضاعف بسبب البركة التي طرحها الله فيه، فهو من أقرض الله، وهو من تمثل قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: «ما نقص مال من صدقة»؛ وهو من تمثل قوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة، والله يضاعف لمن يشاء)، ولم يتوقف عند حدود الأربعة آلاف دينار، فعاود وتصدق بأربعين ألف دينار، وعاود الله مضاعفة ماله وبارك له فيه، ثم عاد وتصدق بأربعين ألف دينار قسمها في أمهات المؤمنين، وفي بني زهرة وفي فقراء المسلمين، وعاود الله فضاعف له ماله وبارك له فيه، فعاد وتبرع للجيش المجاهد بخمسمائة فرس، ثم عاود وتبرع بعدها بألف وخمسمائة فرس.. تدرون كل هذا من أين بدأ ؟، لقد بدأ من عقال وحبل ضمه إلى حبل، فاجتمع من حبال النوق مال كثير، أصل المال من التجارة، ونمو المال من الصدقة، وحين مرض تصدق بثلث ماله، ثم نادى: يا أصحاب رسول الله كل من كان من أهل بدر له علي أربعمائة دينار، فقام عثمان بن عفان فذهب مع الناس ليأخذ فقيل له: يا أبا عمرو ألست غنيا ؟ قال: هذه صلة لا صدقة وهي من مال حلال، فكان مبلغ ما وصلهم به ووصل غيرهم مائة وخمسين ألف دينار، وسمعت السيدة عائشة يوما رجة في المدينة فقالت: ما هذا؟، قالو: قافلة عبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل كل شيء، وكانت سبعمائة بعير، فقالت: يدخل عبد الرحمن بن عوف الجنة حبوا، فلما بلغه ذلك قال: إني لأرجو أن أدخلها قائما، فجعل القافلة كلها في سبيل الله وما عليها ووزعها على الناس، وباع أرضا له بأربعين ألف دينار فقسم ذلك في فقراء بني زهرة وفي ذوي الحاجة من الناس، وفي أمهات المؤمنين. قال ابن أخته المسور: فأتيت عائشة بنصيبها من ذلك فقالت: من أرسل بهذا؟ قلت: عبد الرحمن بن عوف، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحنو عليكن من بعدي إلا الصابرون سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة، وبقي ماله، لما مات وبعد هذا كله، شيء لا يكاد يحصى، حتى أصاب كل واحدة من زوجاته الثلاث من النقد وحده دون الإبل والغنم والخيل والعقار ثمانون ألف دينار.. هذا هو عبد الرحمن بن عوف الذي دخل المدينة وليس بيده درهم ولا دينار، لقد بدأ مما بيده، مع بساطته، ولم يحقرن هذا البسيط، ولم ينتظر وهو يضع يده على خده حتى تأتيه الرياح بما يتمنى، بل كان يوظف الرياح المتاحة في أي اتجاه هي، ووصل من خلال البسيط إلى الثمين والكثير. للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة او عبر الفاكس رقم: 2841556 الهاتف: 2841552 الإيميل: [email protected]