الذكريات لحظات من حياتنا، فرت من أيدينا هاربة، يلسعنا سوط الشوق فنجري خلفها، ونظل نجري ونجري، ولكن هيهات، هيهات لنا أن نستعيد شيئا مضى! في ليلة رمضان والناس يتبادلون التهاني متفائلين، تأبى الذكريات إلا أن تتدفق على سطح الذاكرة لتوقد شوقا لا ينطفئ إلى حبيب غائب، أو صديق رحل، أو عادة عذبة تبددت وانتهت. وفي أول ليلة في رمضان قد تقسو الذاكرة فتأبى إلا أن تحملك إلى ليلة رمضان الماضي، رغم أنها تعرف أنك لن تسمع تلك الهمسات الحانية التي اعتدت تلقيها مهنئة بقدوم الشهر، ولن تجد من طعم الحب ما اعتدت تذوقه في مثل تلك الليلة، ولن يسعد جبينك بملمس الشفتين الودودتين تطبعان عليه قبلة محبة! كانت ذكرى مؤلمة أبت إلا أن تسطع في ذاكرتي ونحن نستقبل رمضان هذا العام، رأيت صديقة لي تنفجر فجأة في بكاء مرير وكنا في مجلس مرح ولهو في (العشاء الأخير) في شعبان أو ما يعرف (بالشعبنة). كانت تلك الليلة لها تعني إقبال أول رمضان بعد وفاة زوجها، غاصت في ذكرياتها معه، احتضنت صورته بين أهداب عينيها، فسال الحزن على خديها، وغرقت في ظلام نجم انطفأ، تحولت إلى امرأة من ملح تذوب في الدموع، عبثا نحاول التخفيف عنها، نظلل الذكريات، ندفن الصور، نكرر الصلوات ونرتل الأدعية نبحث عن الطمأنينة نهديها إياها عسى أن يتوشح بها القلب الكبير. وها هو اليوم رمضان، يعود ثانية، فكل عام وأنتم جميعا بخير، رمضان يعود بعد انقضاء أحد عشر شهرا كاملة من غيابه، ويكون خلالها قد مر على الناس ما مر من خير أو ضر، والسعيد منهم، من عاد عليه رمضان لم يمسه سوء ولم يعتر قلبه ما يحطمه. أن يمر عليك عامل كامل وأنت سليم معافى لم يصبك أذى في نفسك أو روحك أو مالك، ولم تفقد حبيبا، ولم يغب عن عينك غال، هي نعمة من نعم الله العظمى على العباد، لكن كم هم الذين يدركون ذلك، فيذكرون الله حامدين شاكرين! رمضان شهر واحد في العام، لكنه شهر ليس كمثله شهر، شهر له سماته الخاصة التي تجعله متفردا بين شهور العام، فتبقى صور أيامه ولياليه مرسومة في الأذهان تعود حية نشطة كلما عاد. لعل رمضان الشهر الوحيد في العام الذي يجتمع فيه أفراد العائلة على موعد وجبة ثابت منضبط لا يتغير، ولعله الشهر الوحيد الذي يعتاد فيه البعض ارتياد المسجد، أو تلاوة القرآن، ولعله الشهر الوحيد الذي يجد فيه كل امرئ ما يبحث عنه، فرمضان لمن أراد الآخرة وسعى لها سعيها مليء بأبواب الخير من صلاة التراويح والقيام وتلاوة القرآن والصدقة وأداء العمرة وغيرها من العبادات التي يتضاعف أجرها في الشهر الكريم. وهو لمن أراد الدنيا وعمر قلبه لهوها، شهر حافل بالسهرات والدوريات والولائم والبرامج الترفيهية والأسواق والمقاهي المفتوحة إلى الفجر. رمضان كريم، وكل عام وكأس الذكريات مترع بالخير. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة