عادات وعبادات كثيرة يخص بها بعض الناس شهر شعبان وخصوصا بعد انتصافه، إذ واجهت موجة انتقادات من علماء شرعيين رأوا أنه لا أصل لها، فيما توقف آخرون في منطقة الحياد معتبرين أن خلو تلك العادات من المخالفات الشرعية أو اعتقاد شرعيتها يجعلها أمرا مباحا. ومن ضمن تلك العبادات التي دأب بعض الناس على ممارستها في شعبان تخصيص بعض الليالي بأنواع من العبادات كالصيام والصلاة والزكاة والعمرة وغيرها، معتقدين أن لهذه الليالي مزية عن سائر الشهور، وأن العبادات التي يؤدونها واردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن الناس أيضا من يدعو إلى تصفية القلوب ليلة النصف من شعبان، معتقدين أن الله سبحانه وتعالى يطلع على قلوب عباده فيغفر لكل مسلم إلا من كان في قلبه شرك أو شحناء على أخيه. وإذا انتقلنا إلى العادات التي تحدث في هذا الشهر نرى أن من أبرزها الشعبنة والتي دأب البعض على ممارستها وإحيائها بطرق مختلفة تتنوع من بيت إلى آخر، وهنا نرى أن الشعبنة عادة مكية قديمة تنتشر بالمنطقة الغربية، إذ تأخذ ألوانا اجتماعية ربما تهدف إلى زيادة الارتباط الاجتماعي بين الأسرة والأقارب، أو إدخال البهجة وإضفاء المرح على الجو السائد. ويرى البعض أن الشعبنة أقرب للصوفية، إذ تنشد فيها الأناشيد مع بعض ألوان الذكر الصوفي، في حين يعتبر البعض أنها تحولت مؤخرا إلى ضرب من الترفيه عن النفس قبل مجيء شهر رمضان، الأمر الذي يجعلها تدخل حيز البدعة في الشرع. شعبنة الشباب أما الشباب، فإن الشعبنة بالنسبة لهم مجرد تجمعات في مخيمات برية أو رحلات تجديف بحرية، وقد تكون صحراوية حيث الشواء، وقد تصل إلى أن تكون في فنادق خمسة نجوم حيث مظاهر الترف على أنغام الموسيقى وقد تصل إلى ما هو أكثر من هذا. الشاب محمد السهلي يتحدث عن طريقته في الشعبنة قائلا: إنها مجرد خروج إلى البر في إحدى ليالي شعبان التي تلي النصف منه ثم نطلب من المجموعة التي ستخرج معنا إلى البر جمع مبلغ من المال لتسيير أمورنا، ثم نجلس للسمر أو لعب الكرة وقتا طويلا. وقال السهلي إن الشعبنة في مفهومنا تختلف عن بعض الناس الآخرين فلكل طريقته في قضاء وقته وفراغه، فنحن نأخذها لغرض التسلية والسمر ليس إلا ونحرص في الوقت نفسه ألا تحتوي جلستنا هذه على أية منكرات، وهدفنا الوحيد الترفيه والتسلية في حدود المسموح شرعا. من جهته، يقول إبراهيم الموسى: بدأت أشارك في الشعبنة قبل سنتين حيث اتفق الأصدقاء على الشعبنة بالقطة «كل واحد يدفع مبلغاً من المال لقضاء تلك الليلة» وقمنا باستئجار استراحة خارج المدينة وأمضينا تلك الليلة في سهر وضحك وغناء ورقص حتى طلع النهار علينا وأكثر ما يمتع في تلك الليلة هو مد مائدة الطعام وعليها كل ما لذ وطاب». أما عمار اليافعي فكشف عن سر هذه الليلة لدى الشباب قائلا «الكثير من الشباب يعملون ما طاب لهم في تلك الليلة»، قائلا «بعضهم يسافرون للخارج حيث لا رقيب عليهم على أساس أن شهر رمضان قد اقترب حيث تغفر جميع الذنوب والمعاصي وخاصة التي ارتكبوها في تلك الليلة» وتساءل «هل الواحد منهم يضمن نفسه أن يعيش ويبلغ رمضان وتغفر ذنوبه؟». وعن تخطيطه لليلة الشعبنة يقول الشاب علي عايد «نلعب المزمار مع المجموعة وبعض الألعاب الأخرى إلى جانب الطبخ حيث نطبخ اللحم أو الدجاج أو السمك، فهذه الليلة تكون الأشد فرحا وبهجة لدى الشباب». قطة وطقاقة أما شعبنة الفتيات فقد تطورت من مجرد الاكتفاء بالمشاهدة والاستماع إلى ما يفعله الشباب والرجال إلى أن تجتمع عدد من الفتيات في أواخر شهر شعبان فتدفع كل واحدة منهن «قطة» تصل إلى ألف ريال ويستأجرن مطربة أو طقاقة شهيرة ويسهرن طوال الليل في غناء ورقص ولهو حتى الصباح! وتؤكد ذلك «مريم.خ» إذ تقول إن العديد من الفتيات يمضين ليالي الشعبنة في منزل إحدى الصديقات حيث يتم إحضار مطربة وتتحول إلى حفلة غناء ورقص. كرنفال اجتماعي الأديب السعودي محمود تراوري أوضح بأن مفهوم الشعبنة قديما هو إنذار الأجساد للمقبل الجميل، مشيرا إلى هذه العادة وبحسب المصادر التاريخية أنها عبارة عن ممارسة مظاهر الفرح في مجتمع مكة في القرنين الميلاديين الأخيرين والذي اتفق جلها على تعدد مناهل البهجة وميل المجتمع لها. وبين أن «مع تغير أنماط الحياة قلصت المباهج الشعبية التي كانت على علاقة وثيقة بالشأن الروحي حتى تلاشت». وقال إن الشعبنة ليست إلا جزءا من كرنفالات عديدة كان المجتمع يمارس من خلالها إيقاد جمرات الفرح، موضحا أن الشعبنة هي «مهرجان فرح تعقده في أواخر شعبان ثلة من الناس يقل عددهم ويكثر تبعا لأمزجتهم في الشعبنة وهي كلمة يبدو واضحا أنها مستلة من شهر شعبان والسالف للشهر المقبل الذي نودع قبله اللهو ونتهيأ روحيا وذهنيا للامتلاء بفيض روحانيات الشهر الكريم خاصة عندما تنتصب القامات وهي في صحن البيت الحرام تلوذ بربها وتهفو إلى عليائه بعد أن أفرغت من روحها في الشعبنة كل ما عداه».