سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
زواج السعوديين من الخارج.. ضياع للأبناء.. ولا يجوز شرعاً بدون إذن الدولة الشورى يدرس اللائحة الخاصة به و«أواصر» تكشف الحقائق المرّة بالأرقام .. «عكاظ» تفتح الملف الشائك
«أريد الزواج يا أمي من الخارج».. بهذه العبارة فاجأ أحمد والدته عقب عودته من زيارة إحدى الدول العربية في موسم الصيف بعد تعرفه على فتاة ووقوعه في شباكها، وعندما رفضت الأم طلبه ذهب وتزوجها بدون إذن أهله ولا الدولة ليقع في مشاكل عديدة، أولها عدم قدرته على إحضارها إلى المملكة وازدادت الأزمة تعقيدا بعد أن أنجب منها ثلاثة من الأبناء. هذه القصص تتكرر كثيرا وتزداد في فصل الصيف مع ازدياد أعداد السعوديين القاصدين للعديد من الدول العربية والإسلامية والأجنبية. بعضهم ذهب بدافع السياحة وآخرون بقصد الزواج، تدفعهم بعض الفتاوى الشرعية التي تحل زواج المسفار والمسيار والمطيار وغيرها، والنتيجة اصطيادهم بواسطة سماسرة الزواجات وإيقاعهم في شرك زواج محكوم عليه بالفشل منذ بدايته، مما دفع بعض سفارات المملكة في الخارج إلى التحذير من الوقوع في فخ سماسرة الزواج من الخارج أو الاستسلام لإغراءات بعض الخاطبات. ولا يقتصر الأمر على من يتزوجون في الخارج بدون تصريح، بل قد يطول من يتزوجون بشكل رسمي نتيجة لعدم انسجام الزوجة مع طبيعة المملكة، أو سوء أخلاقها، أو تعرضها لعنف ومعاملة جافة، سواء من أهل الزوج أو من الزوج نفسه. أفرزت زيجات السعوديين من الخارج مشاكل عديدة، كانت القصص التي نشرت والأرقام شاهدا على حجم المآسي التي تركها السعوديون خلفهم عند زواجهم من الخارج، وإهمالهم أسرهم وأبناءهم، فجمعية أواصر أعلنت عن أن عدد الأسر السعودية في الخارج التي قدمت لهم الجمعية مساعدات، وصلت إلى 690 أسرة تحتضنها ثماني دول، وأن العدد المتوقع للأسر السعودية في الخارج 3000 أسرة، كما كشف رئيس الجمعية الوطنية لرعاية أسر السعوديين في الخارج (أواصر) عبد الله الحمود في تصريح سابق عن تزايد عدد الأسر السعودية التي تعيش خارج الوطن إلى 1000 تتوزع في 14 دولة عربية وأجنبية، دون وجود أوراق رسمية لهم لأن أولياء أمورهم لم يأخذوا موافقات رسمية على زيجاتهم. وكشفت الداخلية في تقرير منشور عن أنه تم في العام الماضي زواج 5800 حالة من غير سعوديات، ممن حصلوا على تراخيص رسمية، ومن تزوج بدون تصريح يشكلون ضعف هذا الرقم إن لم يكن أكثر. ولم تتوقف الآثار السلبية للزيجات عند هذا الحد، بل إن قضية الشهراني مع زوجته الكندية وطلبها الذهاب بأولادها الثلاثة منه إلى بلدها، خير دليل على ما تتركه هذه الزيجات من آثار تضر بالأسرة وتكوينها، ويكون الخاسر الأكبر في هذه العملية هم الأطفال، كما حصل في قصة إعادة الطفلين محمد ومروان إلى حضن أبيهما بعد موافقة أمهما الفلبينية، وكذلك في قصة فهاد الهاجري الذي استعاد ابنه أحمد من أمه الهندية بعد 30 عاما من الفراق بينهما. قطار مضار الزواج من الخارج لم يتوقف عند الآثار السلبية النفسية والاجتماعية والأسرية، بل تعداه إلى الجانب الاقتصادي، حيث أنفق السعوديين 500 مليون ريال على الزواج المصرح به من قبل وزارة الداخلية وإمارات المناطق من خارج السعودية، بواقع 30 ألف زواج، ووصل حجم إنفاق الشخص الواحد على الزيجة إلى 20 ألف ريال، هذا الرقم تضارب مع رقم آخر بين أن الزواج من الخارج يكلف المواطنين أكثر من 50 مليون ريال. هذه المآسي والخسائر جعلت وزارة الداخلية تلزم المتقدمين للزواج من الخارج بتوقيع تعهدات خطية بقبول الأنظمة القضائية والقانونية لبلد الزوجة الأجنبية، بما تتضمنه من حق الحضانة بعد الانفصال وقوانين الأحوال الشخصية. ومع تضخم المشكلة وتناميها عاما بعد عام قرر مجلس الشورى في عام 1429ه مناقشة وضع أبناء السعوديين المتزوجين دون وثائق في الخارج، ومعاقبة من ينكر نسب أولاده اليوم. وواصل مجلس الشورى خطواته في إعادة النظر في لائحة زواج السعوديين بغير السعوديات التي أقرت 1422ه عبر دراسة اللائحة المخصصة لذلك، تمهيدا لمناقشتها في المجلس ورفعها للمقام السامي. وأوكلت المهمة للجنة الأمنية في المجلس، لكن نظرا لوجود أكثر من ملف كبير لدى اللجنة ووجود نواح أخرى في هذه المسألة، خلاف الجانب الأمني، قرر رئيس المجلس تشكيل لجنة مكونة من 12 عضوا من جميع اللجان لدراسة القرار برئاسة الدكتور عبد الرحمن السويلم ، وعقدت اجتماعا تحضيريا واحدا قبل توقف المجلس، وستتم مناقشة اللائحة بعد عودة المجلس لمباشرة عمله، حيث أوضح في تصريح ل«عكاظ» أن اللجنة ستدرس اللائحة من جميع جوانبها وستستأنس بالقصص التي حدثت ونشرت وستتعاون مع السفارات في هذا المجال، إضافة لجمعية أواصر وحقوق الإنسان، مبينا أنهم سيعيدون النظر في البنود التي كانت تعتبر نقطة ضعف في اللائحة، مشددا على أن اللائحة الجديدة سترفع بعد عيد الأضحى، وسيؤخذ في الحسبان كل الجوانب والجهات المشاركة في هذه المسألة لتكون لائحة مكتملة الجوانب وعملية وخالية قدر الإمكان من الثغرات. «عكاظ» تساوقا مع الجهود المبذولة في التوعية بأضرار الزواج من الخارج فتحت ملف القضية وتساءلت عن أسباب انتشار هذه الزيجات والحلول لها، وهل كل الزواج من الخارج سلبي، وناقشت هذه القضية من الجانب الشرعي والقانوني والقضائي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي مع جملة من المختصين .. مخالفة ولي الأمر حذر المستشار في الديوان الملكي الشيخ عبد المحسن بن ناصر العبيكان من مخالفة ولي الأمر والزواج من الخارج دون إذن، معتبرا أن ذلك عمل لا يجوز شرعا حتى ولو تم الزواج بشكل رسمي في بلد الزوجة، واستند العبيكان على تحريمه لهذا الزواج بقوله «لا يجوز أن يخالف الشخص الأنظمة التي أقرها ولي الأمر، ومن يخالفها فهو عاص لله ولرسوله كما قال عليه الصلاة والسلام (من عصا الأمير فقد عصاني ومن عصاني فقد عصا الله)»، وشدد على عدم زواج الشخص من الخارج إلا وفق الأنظمة والتشريعات التي وضعتها الدولة، نظرا لما في مخالفتها من سلبيات على الفرد والمجتمع يتمثل في ضياع الأولاد وظلم المرأة وتشتت الأسرة، مؤكدا على أنه لا يجوز الزواج من الخارج دون إذن رسمي ودون ما جاء في القانون، ودعا العبيكان كل السعوديين المسافرين للخارج إلى تقوى الله عز وجل ووجوب التقيد بالتعليمات التي وضعها ولي الأمر، خصوصا أنها تراعي مصلحة المواطن والدولة وتحمي الأشخاص من انزلاقهم في مهاو تجلب عليهم مآسي عديدة. واعتبر المستشار في الديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع أن الزواج من الخارج له مضار عديدة، وأن الدولة حريصة على حماية أبنائها من الوقوع في مشاكل كبيرة حاضرا ومستقبلا، معتبرا توجه الدولة لإعادة النظر في لائحة زواج السعوديين من الأجنبيات أمر إيجابي سيقي المجتمع من الوقوع في مشاكل كبيرة. ورأى أن تقييد الزواج من الخارج أصبح أمرا مطلوبا وملحا للآثار السلبية التي تتركها مثل هذه الزيجات على كلا الشخصين والأسرتين. تقييد الزواج ورفض رئيس لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية وحقوق الإنسان في مجلس الشورى عازب آل مسبل منع الزيجات من الخارج بشكل نهائي، مبينا أن الزواج بشكل عام مباح ولا يوجد ما يمنعه أو يحرمه إلا إذا كان مخالفا لمقاصد الشريعة، وبين أن للزواج من الخارج إيجابيات مثل التواصل مع المجتمعات المسلمة. وأوضح آل مسبل أنه نظرا لكثرة المشاكل التي حدثت نتيجة الزواج من أجنبيات ارتأى ولي الأمر تقييد هذا المطلق بضوابط للحد من المآسي والمشاكل التي تحدث. وشدد آل مسبل على أن زواج السعوديين من الخارج دون إذن ولي الأمر لا يجوز ومخالف للمقصد الشرعي، كونه لا يحقق المعنى الحقيقي للزواج وهو بناء أسر مسلمة، لأن كثيرا من هذه الزيجات هدفها الاستمتاع وقضاء الوطر.وحمل آل مسبل بعض الفتاوى التي تصدر سبب وجود مثل هذه الزيجات تحت مسميات المسيار والمسفار والمطيار، معتبر أن هذا الزيجات محرمة وغير جائزة وتتعارض مع المقصد الشرعي للزواج وهو بناء الأسرة والاستقرار. وأشار آل مسبل إلى أن خطورة هذه الزيجات تتعاظم بما تجلبه لأبنائنا من أمراض جسدية ونفسية وخلط في الأنساب، لافتا إلى أن الدراسة التي يعكف عليها مجلس الشورى ستأخذ في الحسبان هذه الأمور للحد منها، قبل أن تتفشى وتصبح خطرا مستطيرا. مضامين النكاح وحمل مدير عام هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكةالمكرمة الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي الرجال مسؤولية ما يحدث من مشاكل من خلال تهاونهم في مسألة الارتباط بأنكحة عارضة أثناء سفرهم. وأضاف «يقع الكثير من الرجال بسبب ذلك فريسة سهلة للكثير من المحتالين والمبتزين، بل ويقع ضحية للأوبئة والأمراض، سعيا وراء متعة قصيرة عارضة، وفي الطرف الآخر كذلك يقع الكثير من النساء ضحية لرجال من ذلك النوع تحت وطأة الفقر والحاجة والطمع المادي»، مشيرا إلى وقوع الكثير من المآسي الأسرية والاجتماعية والضياع لأبناء لا يعرف لهم آباء أو يعرفون لكنهم تنكروا لهم. وقال الغامدي «إن هذه الزيجات وإن توافرت في ظاهرها شروط الصحة الشرعية على قول بعض الفقهاء، إلا أنها فقدت حتما المضامين التي قصدت شرعا من النكاح، وأصبحت ذات أضرار كثيرة على البناء الأسري الصحيح وعلى التكامل الاجتماعي، فضلا عن الأضرار الفردية على أولئك المتزوجين؛ أضرار متعددة ومن نواح مختلفة دينية ونفسية ومالية وصحية وأمنية». وبين الغامدي أن هذه الزيجات لم تكن هي الأصل المعتبر عند من قال بجوازها، بل كانت استثناء لعوارض معتبرة شرعا، ليست مفرغة عن الأخلاق وعن المقاصد المعتبرة في ذلك الميثاق الغليظ الذي عظمه الله تبارك وتعالى، مشددا على أن الخلل البين الكبير هو الابتعاد عن جملة المقاصد المشروعة من النكاح وقصرها على طلب المتعة من طرف والمال من الطرف الآخر، مضيفا «أن الأسوأ حين تكون تلك الزيجات غير موثقة بالشكل النظامي الصحيح ومن هنا ينشأ الكثير من الإشكال وضياع الحقوق والاحتيال وأكل الأموال بالباطل، والتلاعب حتى بأحكام الشرع، والمخالفات التي قد تصل إلى الكثير من الصور المحرمة شرعا، والخلل الاجتماعي والمالي والصحي والأمني، وقد يصل التهاون عند البعض أن يقترن بمن لا يرتضيها خلقا ثم يندم حين لا ينفع الندم». وتابع الغامدي «كان الواجب على أفراد أي مجتمع الأخذ بعين الاعتبار مصالحهم الشخصية المهدرة جراء تلك الزيجات التي لا يراعى في أغلبها حقوقهم، فضلا عن حقوق بعضهم على بعض، أو حقوق مجتمعاتهم وأسرهم ودينهم. إن مخالفة النظم في تنظيم هذه العقود وتوثيقها بالشكل النظامي الصحيح مخالفة ومعصية ولا يسوغ التهاون في ذلك الشأن، لأن نهايته وخيمة على الفرد والمجتمع». منع تام وطالب القاضي في المحكمة الجزئية في الرياض الدكتور عيسى الغيث بمنع زواج السعوديين من الأجنبيات بشكل نهائي من وجهة نظر قضائية وقانونية، وعلل ذلك بقوله «بناء على ما عاصرته في السلك القضائي وأعمال المحاكم والحالات الاجتماعية المماثلة، أرى أن يكون المنع هو الأصل والمعمم ولا يستثنى إلا نادرا وبشروط قاسية، لأن الذي يطلب الزواج من الأجنبية وخصوصا من الخارج يكون تحت ضغط عاطفي مؤقت، ولذا يجب ألا يستجاب لنزواته بسهولة»، مضيفا «يتم فرز الحالات التي تحتاج هذا الأمر بشكل دقيق، ولو عرف المطالب بفتح المجال للزواج من الخارج كمية ونوعية القضايا التي يسببها هذا الزواج لقرر الوقوف ضده، وحتى لو لم يحضرها للداخل فإن في هذا مفاسد عليه وعليها وبالتالي على وطنه ومجتمعه، وخصوصا إذا أنجب منها ولدا»، وبين الغيث أن لدى جمعية أواصر لرعاية الأسر السعودية في الخارج الكثير من الحالات التي تبرر وقف الزواج من الخارج. واستدرك «لكن المشكلة أن البعض يستسهل الموضوع بحجة أنه في الخارج ولن يحضرها لبلده، ولكنه في غالب البلاد لا يكون زواجا قانونيا لأن أكثر الدول تشترط موافقة السفارة السعودية والسفارة تحيله لوزارة الداخلية وهناك شروط لهذا الأمر، مما يجعل زواجه خارج القنوات القانونية، ويستغل فاقة بعض الأسر في الخارج، ثم تقع هذه الزوجة الأجنبية في الخارج ضحية لهذا الزوج الذي قدم شهوته على عقله ومصلحته، فضلا عن دينه ووطنه». لا يوجد مبرر لكن مدير التوجيه والتوعية في وزارة الداخلية الدكتور علي شايع النفيسة رأى أنه من الصعوبة إصدار قرار بالمنع التام لزواج السعوديين من أجنبيات، وقال «لا يمكن أن يحدث ذلك، لأنه لا يوجد مستند يبنى عليه مثل هذه القرار، لذلك لا أتوقع أن يرى النور لأنه لا يوجد له مبرر كاف»، مبينا أن الأفضل في هذه المسألة هو ضبط مسألة الزواج من الخارج ووضع ضوابط أكثر، وتجاوز السلبيات في اللائحة الموجودة لضمان زواج آمن وسعيد وبعيد عن المشاكل. وبالعودة لكلام الدكتور عيسى الغيث اقترح لإيجاد حل لهذه المشكلة «سن نظام للزواج من الخارج وإضافة مواد خاصة بالعقوبات والتشديد فيها، حتى يرعوي هؤلاء الشهوانيين عن تهورهم ومراهقتهم». ووافقه الرأي نائب رئيس لجنة المحامين في المدينةالمنورة بن زاحم الذي طالب بإحالة من يقوم بمخالفة ولي الأمر ويتزوج من الخارج دون إذن ولي الأمر بإحالته للادعاء العام لإقامة الدعوى عليه، وطلب تعزيره بالسجن والجلد أو بهما معا، مما يتحقق به ردع عام للمجتمع، مبينا أن رصد هذه التصرفات يجب أن تتولاه السفارات السعودية المنتشرة في الخارج، مشيرا إلى أن التجاوز الذي يستوجب العقاب يبدأ برابطة الزوجية ولايستلزم إنجاب أبناء. وبالعودة لكلام الدكتور عيسى الغيث أوضح أن مطالبه بتشديد العقوبات والمنع ليست بسبب شرعي مجرد، وإنما لمصالح خاصة بالطرفين وعامة للدولة والمجتمع، مضيفا «إن كان شابا فقد فوت الفرصة لفتاة سعودية وتسبب في المزيد من العنوسة، وإن كان هرما فقد تسبب بآثار صحية على نفسه واجتماعية على مجتمعه وأمنية وأخلاقية على وطنه، وإن أحضر زوجته للداخل ففي هذا مشاكل وسلبيات وقعت على مر الحالات المرصودة، وإن طلقها ففي هذا مشكلة أخرى، خصوصا إن كان لها منه أولاد، أو ترملت نظرا لكبر سن المتزوجين من الخارج غالبا»، معتبرا أن المصالح المرجوة بل والمتحققة في الحالات المعروفة محدودة وخاصة ومؤقتة، في حين أن المفاسد والسلبيات عامة بالمجتمع والدولة وطويلة الأمد ومتشعبة القضايا، ومنها ما يعود إلى الطرفين أو أحدهما، مشددا على أن الزواج من الأجنبيات وخصوصا من الخارج الغالب فيه حصول المشاكل والسلبيات والمفاسد الخاصة بالطرفين والعامة للمجتمع والوطن، إضافة لسمعة الوطن والمواطنين في الخارج. قضايا المحاكم وأفاد الغيث أن هناك الكثير من القضايا التي امتلأت بها المحاكم جراء هذه الزيجات، سواء في المحاكم العامة لقضايا مالية، أو في المحاكم الجزائية لقضايا جنائية. وقال «اسألوا هيئة الأمر بالمعروف والنهي المنكر، وهيئة التحقيق والادعاء العام عن هذه القضايا لتخبركم بما يحزن المخلصين، وأغلب القضايا في محاكم الأحوال الشخصية من حيث الطلاق والفسخ والخلع والنفقة والحضانة والزيارة والولاية ونحوها، وكثير من أجهزة الدولة تأذت من هذا الزواج»، مؤكدا على مسألة التشديد في منح الموافقات مع العقوبات المشددة تجاه من تجاوز النظام وتزوج دون إذن، ومن باب أولى إن علق زوجته في الخارج أو أنجب منها أولادا وتركهم أو أنكر صحة زواجه أو أبوته. ولفت الغيث إلى انه رصد من خلال عمله قاضيا الكثير من القضايا الجنائية والأخلاقية بسبب هذا النوع من الزواج. وعن أبرز الإجراءات التي تتخذها الزوجة قانونيا وقضائيا داخل أو خارج المملكة لحفظ حقوقها إذا هجرها الزوج أو أهملها قال الغيث «في الداخل أمر الزوجة سهل، فتلجأ إلى المحكمة وتطالب بكافة حقوقها وستنالها بإذن الله، وأما إن كانت في الخارج فعليها مراجعة السفارة السعودية وتقديم الشكوى وستنال حقها بإذن الله»، واستدرك الغيث كلامه «لكن المشكلة في أن غالبية الزوجات فقيرات أو جاهلات ويعجزن عن المطالبة بحقوقهن، وهذا ظلم لا يجوز وقوعه ابتداء، فضلا عن أنه لا يجوز السكوت على بقائه، فلا بد من دفع المظالم قبل حصولها، فضلا عن رفعها بعد وقوعها». مضار أمنية وصحية وبين مدير التوجيه والتوعية في وزارة الداخلية الدكتور علي شايع النفيسة أن الزواج من الخارج متاح لسد حاجات بضوابط معينة، مشيرا إلى أن هناك إقبالا كبيرا جدا للزواج من الخارج، مفيدا أن عملية الاختيار في الغالب عشوائية ومبنية على عنصر واحد هو الجمال، مؤكدا أن هذه القضية لها مضار كثيرة، مضيفا «البعض في مجتمعنا يذهب للزواج من الخارج بقصد التوفير المالي بسبب رخص الزواج، لكن حقيقة الأمر أن المهر يتضاعف إلى أضعاف كثيرة بسبب الهدايا وتذاكر السفر وشراء بيت لها في بلدها وغيرها من المتطلبات الكثيرة التي لا يحسب حسابها»، وذكر النفيسة أن اختلاف العادات والتقاليد سبب قوي في فشل هذه الزيجات، واعتبر النفيسة أن لمثل هذه الزوجات مضار أمنية وضررا اجتماعيا، مشيرا إلى أن اختلاف البيئات بين الأب والأم قد يتسبب في وجود جيل يعيش تناقضات تضر بالمجتمع، وشدد على أن أكبر خطر يكتنف مثل هذه الزيجات إقبال الرجل السعودي على الزواج من غير مسلمة مما يتسبب بمشاكل إذا حصل هناك خلاف بين الأب والأم وحصل الطلاق وطلبت المرأة الأطفال، فإنه قد يؤثر عليهم ويفقدهم دينهم وهو أمر في غاية الخطورة، مطالبا المسافرين إلى الخارج بعدم الانجراف وراء هذه الزيجات، وعول النفيسة على التعديلات التي ستتم على اللائحة في مجلس الشورى في تلافي السلبيات وحماية الرجل والمرأة والأولاد وحفظ حقوقهم. مضاعفة المشكلة وأفاد رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والشباب والأسرة في مجلس الشورى الدكتور طلال بكري أن لجنته سبق وناقشت هذه القضية ووجدت أن المنع التام قد يضاعف المشكلة، ويلجأ السعوديون إلى الزواج دون إذن. وقال بكري «عند معالجتنا هذه المشكلة لا بد أن ننظر للأسباب التي دفعت الرجل السعودي للزواج وهل هو جزء من ثقافته، فلا نكتفي بالمطالبة بوقف هذا الزواج دون معالجة مسبباته داخليا، ومن أولها غلاء المهور خصوصا في ظل ارتفاع نسب البطالة وغلاء تكاليف الزواج، ولفت إلى أن بعض من يذهب للزواج من الخارج يعاني من عاهات أو أمراض ولا يستطيع الزواج من الداخل، أو هناك أسباب اجتماعية أخرى»، مشددا على ضرورة وضع ضوابط للزواج من الخارج بشكل يتلاءم مع المستجدات الحديثة، دون فتح الباب على مصراعيه، موضحا أنهم سبق ووضعوا في مجلس الشورى ضوابط لحل مشكلة إنكار الأبناء. وتطرق بكري إلى قضية المناطق الحدودية وتداخل العوائل بين بعضها، فتجد الأخ بجنسية والأخ الآخر بجنسية أخرى، مطالبا بوضع استثناءات لأهالي هذه المناطق في الدراسة الحديثة الجاري عملها على اللائحة. الجوانب الإنسانية وبين نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور صالح الخثلان أن الجمعية راعت الجوانب الإنسانية، في التقرير الذي رفعته لمجلس الشورى لإبداء رأيها تجاه الدراسة التي تعد حول لائحة زواج السعوديين من أجنبيات، مضيفا «هناك جوانب نظامية يجب إعادة النظر فيها، لأننا رصدنا من خلال عملنا في الجمعية حالات كثيرة تزوجت دون إذن، لكن النظام والشرع لدينا لا يعترف بالعقد من الجانب القانوني والنظامي، وإذا أراد أن يدخلها إلى المملكة فإنه لا يستطيع»، مشيرا إلى أن بعضهم يدخلها إلى المملكة عبر تأشيرة عمرة أو خادمة وعندما تنتهي فترة إقامتها يقبض عليها وتودع في الترحيل وتسفر خارج المملكة وتتشت الأسرة من جديد، مشددا على أن الجمعية طالبت بمراعاة هذه الجوانب وإيجاد حلول عاجلة، مع معاقبة الزوج بعقوبات إدارية ومالية، لكن مراعاة الجانب الإنساني للزوجة والأولاد في حال وجودهم لأن النظام الأساسي في الحكم للدولة يراعي مثل هذه المسائل. وأشار الخثلان إلى ضرورة التوعية بخطورة الزواج من الخارج، خصوصا إذا كان دون إذن وعن طريق السماسرة الذين يزدهر عملهم في موسم الصيف، مؤكدا على ضرورة مراعاة الجانب الإنساني والاجتماعي في الزيجات التي حدثت، نظرا لما تتركه هذه القصص من آثار نفسية واجتماعية تؤثر على الزوجين والأولاد. مضار نفسية واجتماعية وأوضح استشاري الطب النفسي ومدير مركز الحامد للطب النفسي والعلاج السلوكي الدكتور محمد الحامد أن المضار النفسية والاجتماعية التي يتسبب بها الزواج من الخارج كثير وخطيرة على الزوج والزوجة والأولاد، مبينا أن لها تأثيرا في جانب التصادم بين مجتمعين بسبب اختلاف العادات والتقاليد، خصوصا أننا مجتمع يتمتع بخصوصية يختلف بها عن غيره، مما يتسبب للزوجة باضطرابات التأقلم مع المجتمع. ولفت الحامد إلى تأثر الأولاد من الناحية الاجتماعية بأخوالهم أكثر من أعمامهم، كما أن علاقتهم الاجتماعية بمجتمعهم قد تكون أقل عمقا ويتسبب لهم باضطرابات نفسية، موضحا أن مثل هذه الأجواء الغريبة على المرأة الأجنبية والأطفال قد تصيبها بالإحباط الذي يؤدي إلى الاكتئاب وفي النهاية الانفصال بين الزوجين وتشتيت الأولاد بين بلدين، في حال عودتها لأهلها. وأشار الحامد إلى أن بعد الزوجة عن أهلها وأسرتها يعطيها شعورا بعدم الإحساس بالأمان، خصوصا أن أكبر هاجس يؤرق المرأة هو عدم إحساسها بالأمان وهو يؤثر على الحب ويدمر الأسرة. ولفت الحامد إلى أن الزوج عندما يتزوج من الخارج ولا يجد له أرحاما فإنه يشعر بغربة في وطنه ويدخل في مقارنات بينه وبين الآخرين، ويحس بالدونية والإحباط والاكتئاب أو حدوث خلافات زوجية. وأضاف الحامد «من الآثار على الأبناء أنهم يعانون من عدم وجود أخوال، واختلاف العادات والتقاليد التي قد تؤدي إلى آثار نفسية واجتماعية وبعض الاضطرابات مثل الإحباط والوسواس». وذكر الحامد أن الطفل عندما يتلقى التربية من مصدرين فإن المحتوى الثقافي يختلف تباعا لاختلاف البيئات مما يخلف مشاكل نفسية واجتماعية وازدواجية في الشخصية، لافتا إلى أن هذه المشاكل ليس بالضرورة أن تتحقق في كل زواج، لكنها قد تحصل في بعضها. وشدد الحامد على أن الزواج من بنات البلد أولى وأقل ضررا بعكس الزواج من الخارج الذي يتسبب في مشاكل نفسية واجتماعية تؤدي إلى تدمير الأسرة بشكل عام.