يحسم مجلس الشورى اليوم الملامح الرئيسية في هروب الشباب السعودي من الفتيات السعوديات، بما يعرف بظاهرة الزواج من الأجنبيات، بالإضافة إلى هروب بعض السعوديات للزواج من الأجانب، في وقت بلغت نسبة العنوسة في السعودية 4 %. رغم أن الإحصاءات غير الرسمية أشارت إلى وجود أكثر من 1.5 مليون عانس في عام 2003، إلا أنه حسب التعداد الرسمي في عام 2005 (1425ه) أشار إلى أن عدد العوانس لا يزيد على 85 ألف عانس (ممن تعدت أعمارهن سن 30 عاما)، وبنسبة تمثل 3 % من عدد النساء السعوديات. عوانس بالملايين لكن على الصعيد المجتمعي بات تداول ملايين العوانس قائما، في ظل تباعد الإحصاءات الرسمية؛ الأمر الذي سيحسمه تعداد العام الجاري، الذي أجري قبل شهرين تقريبا، ومن المفترض الإعلان عنه في سبتمبر المقبل على أقل تقدير. وإذا كان عدد الطلاقات لسعوديين وسعوديات من أطراف أجانب، بلغ معدله 2.6% من إجمالي الطلاقات (604 حالات)، في حين بلغ معدل الخلع 6.1 % (65 حالة خلع) من إجمالي حالات الخلع، ومعدل فسخ النكاح 0.3 % (تسع حالات) من إجمالي عدد حالات الخلع، وإذا اعتبر العدد الإجمالي لحالات تفريق السعوديين والسعوديات مع الأجانب (678 حالة طلاق وخلع وفسخ) بنسبة 2.5 % من إجمالي التفريق وفق تقرير وزارة العدل عام 2008 (1429ه)، أفلا يعتبر ذلك مؤشرا واضحا لفشل الزيجات من خارج الحدود، أم أن الأمر لم يصل بعد إلى حد التخوف، بما يستوجب المزيد من فتح الأبواب والتسهيلات أمام الشباب للزواج من أجنبيات، أو تسهيل الأمر للسعوديات للتخلص من قائمة العوانس، حتى ولو بورقة نصف رابحة، تسمى الزواج من أجانب. طلاقات وتفريق وإذا كان السعوديون هم الأكثر تركا بالطلاق والخلع والفسخ من الأجنبيات، في حين أن السعوديات هن الأقل تعرضا لأنواع التفريق الثلاثة، حيث لم يبلغ العدد سوى 123 حالة انفصال، فهل يفي ذلك بضمان انتهاء العنوسة، وتسهيل الإجراءات؟ التشدد أولى عضو لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب بمجلس الشورى نجيب الزامل، وقف في خانة التشدد من الزيجات مع الأجانب، بعيدا عن مؤشرات العنوسة، ويرى أن الزيجات من الأجنبيات يجب أن توضع لها ضوابط مشددة أكثر من الحالية، وأن تمنع بشكل أكبر، وتتاح إمكانية الزواج لبعض الحالات؛ كالذي يتزوج عن علاقة غرامية أو من قريبة له في الخارج، أو لكبر سن أو شاب لم يستطع الزواج لأسباب طبية أو مالية ضيقة، ويمنع عن الباقي: «الزواج من أجانب على صعيدي الرجال والنساء، له تأثيرات كبيرة في التركيبة الاجتماعية للمجتمع السعودي، وهذه الزيجات شكلت إشكاليات على الأسرة السعودية وأسهمت في تفكيكها». إشكاليات الميراث وأشار إلى أن الإحصاءات الصادرة أوضحت أن الأسر السعودية التي فيها طرف أجنبي، تنشأ بينها إشكاليات عديدة في جانب الإرث، حيث تتطور المشكلات وعدم التوافق، وتتجه قضاياه غالبا إلى الجهات القضائية بعكس ما إذا كان الأبناء من أطراف سعودية أبا وأما. واعتبر الزامل تقنين ضوابط الزواج من الأجنبيات يعمل على إنقاص قضايا مجتمعية كالعنوسة، من خلال تقديم حلول موازية أخرى للقضاء عليها: «هناك ممارسات تستهدف السعوديين لحثهم على البغاء الأبيض بزيجات إلكترونية، علينا الانتباه لهذا الخطر الجديد، وحسمه رسميا». انخفاض الإقبال ويقلل عضو لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب بمجلس الشورى عبدالله الصقير من حالة الاحتقان بشأن الزواج من أجنبيات: «زواج السعوديين بأجنبيات لا يشكل ظاهرة، خاصة أن نسبته انخفضت عن الأعوام السابقة». وبمواجهته بتقرير وزارة العدل الأخير الذي أشار إلى عقد 4085 حالة زواج لسعوديين وسعوديات من أجانب (2.8% من إجمالي الزيجات التي تمت في الداخل)، منها زواج 2141 سعوديا من أجنبية (1.5% من إجمالي الزيجات التي تمت عام 2008)، زواج 1944 سعودية من أجانب (1.4 % من إجمالي عقود الزواجات التي تمت في المملكة)، بخلاف العقود التي أبرمت في الخارج بعيدا عن الموافقات الرسمية، بادر عضو الشورى بالتأكيد على أن: «هناك عدة أمور أسهمت في اتجاه السعوديين للزواج من أجنبيات، من بينها غلاء المهور الذي يشكل محورا أساسيا فيها، كما أن عامل السن أسهم في تسجيل حالاتها من خلال رفض السعوديات الزواج من كبار السن، بالإضافة إلى زيجات بعض السعوديين من أقاربهم في الخارج، سواء من الدول العربية أو الخليجية، بسبب تداخل العلاقات الاجتماعية والأسرية بين الدول المتجاورة». أما على الخريطة المجتمعية، فلا يزال العديد من الفتيات والشباب يتحفظون على الزواج من الأجانب، منهم نوف خالد، الفتاة التي تنتظر فارس أحلامها، وتبلغ من العمر 24 عاما، ترى أنه يجب إغلاق باب الزواج من الأجنبيات: «أنا ضد الزواج من أجنبي أو أجنبية، بسبب الأثر السيئ على المجتمع والأسرة، وهو في أغلب الأحيان وبنسبة 99 % خاطئ وعواقبه سيئة وكثيرة، وإيجابياته قليلة أو لا تذكر، حيث إن الاختيار عشوائي للزوجات دون معرفة أسرهن بالشكل المطلوب، أو التعرف على مدى أخلاقياتهن وتربيتهن، مع وجود فارق في ثقافات المجتمعات، مما يلحق الضرر بالزوج والأطفال وينعكس سلبا على الأسرة التي تشكل لبنة المجتمع، وتكاثر مثل هذه الحالات يسهم في ضياع حقوق الأبناء، سواء كان الأجنبي هو الأب أو الأم». زيجات فاشلة وتستعرض ديم القحطاني، 26 عاما، مآسي الزواج من الأجنبيات: «ثمة روايات مأساوية حول زواج السعوديين من الأجنبيات تكتشف بعد وفاة الزوج، وهناك زيجة لأحد الجيران تم اكتشاف وجود قضايا أخلاقية على الزوجة بعد مرور ستة أعوام من وفاته، وبعد إشكاليات تمت في السفارة السعودية، بعدما رفعت دعوى قضائية ضد أبناء زوجها». لكنها لا ترى أهمية للتشدد أو القسوة في هذا الاتجاه: «لست ضد الزواج في كل الحالات، ويجب أن يعي النظام مدى الحاجة من عدمها، ويتم التعامل بحزم ضد المتهاونين أو المتجاوزين حفاظا على الأسرة والأبناء». زواج مقبول ولا يعارض محمد العتيبي، 27 عاما، الزواج من أجنبيات: «بعض الشباب يميل لهذه الزيجات، وقبول الفكرة يأتي إذا كان الزواج محفزا له من النواحي الفكرية والأخلاقية بما يخدم بناء الأسرة وإنتاج أفراد صالحين». إلا أنه لم يخف قلقه من بعض الزيجات التي تتم في الخارج بسبب بعض العروض وبيع الفتيات على السعوديين بشكل ممقوت يجعل كبار السن يتهافتون على الإسراع بالارتباط بتلك الفتيات: «هناك عدة بلدان نرى فيها ممارسات لا تليق بأن تكون المرأة المعروضة للزيجة أو لإنشاء أسرة». لا للخارج ورفض سعود العزيز، 26 عاما، الزواج من الخارج جملة وتفصيلا للشباب الذين لا يعانون من إعاقات كبيرة: «لا أمانع من الارتباط بأجنبية في حالة واحدة هي الارتباط بإحدى قريباته في الدول المجاورة، لأن غالبية الزيجات الخارجية لا تستمر وتتسبب في مشكلات أسرية كبيرة تؤثر على بناء المجتمع». وترفض الباحثة الاجتماعية أسماء العبودي، الحجج التي يسوقها مروجو الاقتران بالأجنبيات: «قبل أن نتحدث عن كون الزواج من أجنبية مشكلة بحد ذاته، ينبغي علينا ألا نعلق هذا الأمر بقضايا كثر ترديدها مثل مشكلة غلاء المهور التي يتذرع بها البعض، فالوعي المجتمعي ارتفع عند التشكيلة الكبرى من السكان، ولم تعد هذه المشكلة ذريعة تستخدم للزواج من الخارج، ولا أستطيع تحديد أسباب معينة بتثبيتها أو نفيها لأن الأمر يتطلب دراسة وإحصاءات متعددة، ولكن من خلال قراءة متعمقة يلجأ الكثيرون للزواج من غير سعوديات لأنهم يستطيعون الاختيار بعيدا عن وصاية الأهل أو تدخلاتهم، وخاصة للأسر التي تجبر أبناءها على الزواج من قريبات وعدم الخروج عن القبيلة، ويجد بعض الشباب خاصة من صغار السن الذين يتأثرون بالإعلام التليفزيوني والسينمائي أن زواجهم من أجنبية سيحقق لهم الحصول على القصص العاطفية والرومانسية التي شاهدوها دون معرفة بتبعات الأمر، أو نتيجة التهور وعدم معرفة ما يترتب على هذا الزواج من إشكالات». وتشير إلى أنه يجب عدم إغفال أن بعض الأسر لا تهتم بتبعات الزواج من غير سعوديات: «خاصة حين يتجهون إليه بحجة أنهم يساهمون في حل مشكلات الابن الذي يعاني من مشكلات الإدمان أو الانحراف، فيتجهون للزواج من الخارج لأن أسرة الفتاة في الخارج لن تستطيع التعرف على ما يعانيه الابن، وهذا من الأمور التي تزيد تبعات هذا الزواج، خاصة حين تنجب الزوجة ولا يستمر الزواج، في حين يلجأ الكثيرون للزواج من الخارج أحيانا كنوع من الترفيه والتغيير، وخاصة ممن تكون أوضاعهم المالية ميسرة، أو يجد بعض الشباب أن الزوجة الأجنبية ستكون أكثر ثقافة وانفتاحا من بنات البلد، وسيجدها مشاركة جيدة في توجهاته الفكرية أو في نمط الحياة داخل منزله» .