عندما يقع شخص في حيرة من أمر يتعلق بدينه، فإنه يهرع إلى أقرب ثقة ليبث له شكواه ويرجع منه بفتواه، فيتحول الناس من عبادة إلى أخرى بسبب فتوى، وتحلل نساء لأزواجهن وتحرم، وفقا لفتوى، تؤخذ الأموال وتعطى بناء على فتوى، تساير الفتوى الناس في سائر أمور حياتهم، وحتى مثواهم الأخير تجد دائما للفتوى مكان الصدارة فيطلب الناس فتوى في أحكام الجنائز والصلاة والدفن، ثم في أحكام الإحداد، وبعد ذلك الميراث وهكذا دواليك في دائرة لا تنتهي تسير الفتوى مع الحياة وجودا وعدما، فلا تعجب إذن أن يكون للفتوى الحضور الحافل في حديث الناس إن إيجابا أو سلبا، ومن يستمع إلى برنامج فتاوى في أي قناة يرى حجما مبهرا للاستفتاءات مبعثها رغبة في بيان مسألة شرعي، أو حاجة في نفس المتصل يريد من المفتي أن يقضيها بفتوى، وربما حور المتصل سؤاله بمقدمة تنتهي إلى نتيجة تلقائية على طريقة: السؤال معاد في الجواب !. وهي من الحكم التي وعيتها منذ زمن طويل ولا أعلم قائلها، إلا أن معناها دقيق لا يمكن تجاهله، فإن الفتوى علم وعقل، وذلك يظهر حين يستهل السائل سؤاله على طريقة: لا يخفى عليكم حكم كذا...الخ، أو كثر في الآونة الأخيرة فعل كذا...، فما نصيحتكم...الخ ، وحين يكون المسؤول ممن لم يعطه الله المقدار الكافي من النباهة والحذر من الشرك المنصوب له، فإنه حتما سيقع أسيرا لتلك الفتوى التي أفتى فيها السائل في سؤاله فلم يبق من المسؤول إلا أن يصادق على نظرية السائل، وعلى ذلك يمكن تشخيص كثير من الفتاوى التي جلجلت يمنة ويسرة وأحدثت صخبا وغضبا واستنكارا ! والسبب في ذلك واقع بين سائل ماكر رغب في تأصيل فكرته وعضدها بفتوى، وبين مسؤول تنقصه النباهة وتبهره الأضواء ويتشوف إلى رضا المريدين وتحلقهم حوله، وهو وإن حمل علما إلا أنه لا يحوي فقها ولا فهما، ولا نظرة متزنة متعقلة تقايس الأمور وتعرف العقبات الوخيمة لفتوى يطلقها في وسيلة إعلامية وينتشي لذلك. ومن خلال مسح سريع لبرامج الفتوى المنتشرة، لم أجد مفتيا اعتذر عن سؤال لا يعلم جوابه، بل رأيت منهم من يعكس المسألة الشرعية رأسا على عقب، ومنهم من يخطيء في ذكر الدليل من آية أو حديث، بل وربما صحح له المقدم، مما يستدعي معه تدخلا عاجلا من رئاسة البحوث العلمية والإفتاء بتنظيم الفتوى ومنع أي مفت سعودي، بالذات، من تسنم الفتاوى في وسائل الإعلام إلا بتصريح مسبق من الرئاسة حفظا لمقام الفتوى، فإن المفتي يوقع عن رب العالمين، فهل يعي المفتون ذلك ؟. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 274 مسافة ثم الرسالة.