الحقيقة أن من أكبر المشاكل التي تواجه المتصدرين للفتوى هي الطريقة الخاطئة لعرض السؤال على المفتي من قبل بعض المستفتين، مما يجعل كثيرا من المفتين يحملهم عرض ذلك السائل على التعاطف إن كان السؤال من هذا القبيل فتأتي الإجابة ميالة إلى جزئية على حساب أجزاء، أو يحمله ذلك العرض على التشدد في الإجابة إن كان العرض مثيرا فتأتي الإجابة خادمة للغرض الذي يريده ذلك السائل، والأمثلة على ذلك كثيرة فمنها: يقول السائل مثلا: ياشيخ كثر الزنا وظهر التبرج والسفور واكتظت الأسواق بالنساء واختلط الجنسان ورمي الحجاب وكثرت المعاكسات وهاهي مراكز الشرط والهيئات مليئة دواليبها بملفات المقبوض عليهم...إلخ. فما هي نصيحتكم للنساء والأولياء الذين يتركون نساءهم دون رقيب ولا عتيد. وهكذا هي مقدمة السؤال المثير؟ وبعدها تعال واسمع الإجابة التي مهد لها هذا السائل وكأنه يريد من المفتي أن يوافقه إجبارا على كل ما ذكر ويزيده ما يأتي على ما بقي في نفسه مما لم يذكره في تلك التوطئة المثيرة. وأما المثال الآخر على السؤال المثير، يعمد بعض المستفتين إلى مسألة خلافية فيمهد المستفتي للمسؤول بذكر الأقوال في تلك المسألة قائلا: يا شيخ الخلاف في مسألة كذا قديم فمن العلماء من يجيز ومنهم من يمنع ولعل من يجيز أسعد بالدليل، وهذا القول يتماشى مع متطلبات العصر وظروف هذا الزمان فلعلكم تفصلون القول في هذه المسألة... إلخ، ويعرض عن طلب الترجيح في المسألة ليصل إلى أن يعلم المستمع أن تلك المسألة خلافية وكأنه يقول له بأي الأقوال تأخذ فلك سلف من أهل الفتوى. ولا شك أن العلماء الراسخين أصحاب الباع الطويل في الفتيا والعراقة الأصيلة في طلب العلم لا يتأثرون بهذا الأسلوب وأمثاله ولا يهتمون ببهرجة القول وصف العبارات وتنميقها ولا بأسلوب الطرح أيضا، وهم أرفع من أن يقضي الناس بهم أغراضهم، ويتسلقون على أكتافهم، وهم أبعد الناس عن الشهرة وحب الظهور واتباع الغرائب والأقوال الشاذة، ولكن يبقى فئة من الناس الذين تصدروا للفتوى ونفخوا من قبل وسائل الإعلام وبعض المحاضرات واللقاءات الخاصة فهم المتأثرون، وفي الوقت نفسه ومع الأسف أنهم مؤثرون أيضا. إننا حينما نذكر هذه القضية لنلمس في واقع الأمر خطأ وخطر هذا الأسلوب في الاستفتاء على الفرد والمجتمع، فالنصيحة للجميع تقوى الله، والحذر من عواقب التصرفات التي مدارها على المراوغة والمخادعة لتحقيق الأهداف المشينة. والله الموفق. [email protected]