ليس الغموض بالضرورة دليل عمق، غير أنه ليس من عميق سوى الغامض، ما معنى: الواضح، والمكشوف، والعام؟! معناه: العادي، ومعناه: القشرة والسطح، ومعناه: المتفق عليه سلفا، ومعناه: المكرور والمعاد، وخلاصته: «صح لسانك». هذا أقصى الإطراءت الممكنة، لكن «صح لسانك» هنا ليست سوى شهادة لك، والأصح عليك، بالقدرة على النسخ، والفن ضد النسخ، والموهبة الحقة تعتبر ذلك عارا، ووصمة شائنة على الجبين، الوصول إلى المعنى الأكثر عمقا يحتاج بالضرورة إلى لغة أكثر خصوصية وأشد استثنائية وأخصب فرادة، وهو لذلك، ومن خلاله، يبدو أقرب إلى السر، وميزة السر أنه مشاركة بين الكاتب والقارئ، كل منهما يصب معرفته في كأس الآخر، ومن هذا الخليط يخرج المعنى، ليس الشعر عملية تلقين ولا قراءة الشعر مراجعة لما سبق لك هضمه من مفاهيم وقيم ومعتقدات، الشعر الحقيقي يتطلب قارئا حقيقيا، كلاهما قادر على التخيل، وتتبع الإيحاء، وكلاهما لديه استعداد فطري ومكتسب للذهاب بعيدا. المعاني القديمة هي التي تكتفي باللغة العامة، ولا يقدر المعنى الجديد على التواجد دون لغة خاصة، لغة سرية قابلة للكشف؛ لأن اللغة السرية غير القابلة للكشف، هي لغة عاقر، وبالرغم من هذا، فهي أكثر شرفا من تلك اللغة المستعدة لفتح ساقيها بثمن معروف ومحدد سلفا.