الموت حق وكم للموت من أثر حقا بصدمته تجري على البشر تجري العيون دما والقلب في حزن على فراق عزيز فاق للنظر على فراق الذي ترجى منافعه للدار والناس من أنثى ومن ذكر ومن محاسنه فاقت مساوئه وخالق الناس بالحسنى وبالبصر وبالجميل رعى جارا وأسرته ولليتيم رعى والشيخ في الكبر تلك أبيات من قصيدة رثائية كتبها الشيخ علي مديش بجوي قبل 11 عاما، مكونة من 22 بيتا، يرثي فيها الشيخ موسى بن حاسر سهلي، والد الدكتور أحمد السهلي، رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم. وكأن بجوي كتبها لنفسه. في غمرة حزنه على صديقه السهلي، أفرحه الله بعد عدة أشهر بمولود أسماه «الفاروق»، خاصة أنه كان يحرص على تسمية أبنائه (بأل التعريف)، مثل: إلياس، المثنى، المعنى، لم تكتمل فرحة الشيخ، فبعد عامين غادر الفاروق الدنيا إلى دار المستقر، بعد غرقه في مسبح سكنه. كان الشيخ علي مديش صاحب أحاسيس شعرية مرهفة، وكما كان يتقنه في المراثي، فإنه أكثر إتقانا له في الأفراح، وقصيدته «جازان تفرح» شاهدة على ذلك، فكان مطلعها: جازان تفرح والأزهار تهديه مع الولاء واخلاص لبنانيها مع الولاء بصدق لا نظير له لأسرة الخير بالأرواح نفديها كما كانت له إبداعات شعرية في العديد من المناسبات؛ منها أبياته في حفل تكريم أعضاء مجلس الشورى السابقين، حيث يستطيع حضور المناسبة لوعكة صحية، فكتب قصيدة رائعة وأرسلها للأعضاء، قال في بدايتها: إلى مجلس الشورى أزف لهم شكري وأبعث مأسوفا إلى إخوتي عذري فكم كنت أرجو أن أكون بحفلكم لأسعد بالأفذاذ من سادة الفكر أخص بهم قبل العموم رئيسنا به خلق أهل العلم والدين والطهر وكان لشعره رنين، ولكلماته طنين، فهو شاعر حساس ذو شفافية عالية، حيث قال عن ذلك: «الشعر مواقف وأحاسيس وشعور، يصور لك أشياء حدثت تعيشها أو تتصورها فتكتبها، فإذا جاء التصور والاندفاع ربما تكتب في ليلتك قصيدة، وفي بعض الأوقات ربما لا تكتب إلا بيتين أو ثلاثة». رفض القضاء حرص والده (شيخ شمل قبائل شبيل في جازان) على تعليمه العلم الشرعي، حتى تخرجه من المعهد العلمي في صامطة، ومن كلية الشريعة في الرياض، يقول عن بدايات ذلك: «إن من مواقف الوالد، رحمه الله، الحاسمة، أنه في سنة 1373ه حججنا إلى مكة، وكنت حينها في الصف الخامس الابتدائي، وكنت أرغب بعد التخرج من الابتدائية العمل مدرسا، لأنه كان حينها من كان ينتهي من الصف السادس يحق له أن يعمل معلما، وهناك في مكة قابلنا سماحة الشيخ عبدالله القرعاوي، الذي بشر الوالد بأنه سيقام في صامطة معهد علمي، وقتها كان الوالد حريصا على إكمال تعليمي، فأصر علي أن أدخل المعهد العلمي في صامطة وأكمل دراستي فيه، ولما ألح عليّ كثيرا، كان عليّ أن أطيعه، ودخلت المعهد وبعدها إلى الكلية في الرياض، وأيامها كان السفر شاقا جدا، ولولا حرص والدي والشيخ القرعاوي على ذلك لما أكملت تعليمي». بعد تخرج الشيخ مديش من كلية الشريعة في الرياض، اختير ليكون قاضيا، ولكنه رفضه ورغب عنه في البداية، ثم قبله بعد إصرار من الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، الذي كان حينها رئيس مجلس القضاء الأعلى، ويقول الشيخ مديش عن ذلك: «لم أرغب أن أكون قاضيا، وذلك لأنه مسؤولية، والإنسان بطبعه يخافها، وجلست مع بعض الزملاء شهرين قبل استلامي العمل، وأذكر أن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم قال لي حينها كلمة لن أنساها: هل تريدني أن آتي لكم بقضاة من الخارج، قد آتي لكم بمدرسين من الخارج، لكن قضاة من الخارج هذا مستحيل، وأنتم أهل الجنوب أعرف بحالكم وعاداتكم وبعرفكم، استعينوا بالله، ولنا عليكم الطاعة، ونرجو الله أن يوفقكم. الحالة الصحية تردت حالة الشيخ علي مديش في الأعوام الأخيرة، سافر بعدها إلى ألمانياالغربية، وحظي برعاية واهتمام من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي تفضل بالاتصال الهاتفي به في المصحة التي يتلقى العلاج فيها في ألمانيا، ووجه بتقديم كافة التسهيلات لاستكمال علاجه. وبقي في ألمانيا يتلقى العلاج حتى توفاه الله قبل يومين، بعد حياة مليئة بأعمال عديدة خدمة للدين والوطن والمجتمع.