لعله غني عن القول إن العنف في القول من أبرز آفات الخطاب، فالمتجادلون غالبا ما يملؤون الفضاء بالصراخ وما يحمله من ألفاظ حادة وجارحة، هدفها الإيذاء وليس إيضاح الحق أو الإقناع به. ومع ذلك فإنه ليس العنف هو الآفة الوحيدة التي تكتنف الخطاب. تروي لي إحدى طالباتي، وهي تعمل محاضرة في القسم الذي تدرس فيه، كيف أن تسلط سوء الظن وبروزه هو ما يتقدم لغة الخطاب بين المتحاورين، تقول: «ذكرت لي إحدى الطالبات اللاتي أدرسهن أن أحد الشيوخ الأفاضل الكبار يحرم ارتداء المرأة للبنطلون لأن فيه تشبها بالرجال، فقلت لها: إذن حسب هذا المبدأ، فإن ارتداء الرجال للثياب محرم أيضا لأن فيه تشبها بزي النساء اللاتي يرتدين الفساتين والجلابيات! فغضبت الطالبة وعدت كلامها استخفافا منها بكلام الشيخ». هذه الطالبة بدلا من أن ترى في كلام أستاذتها دعوة إلى التأمل في تلك الفتوى، اندفعت إلى مهاجمتها وعدت كلامها نوعا من التهكم على ما قاله الشيخ. ردة فعل هذه الطالبة ليست شاذة، وإنما هي نموذج للعنف في الخطاب يتكرر ظهوره بين كثيرين وكثيرات ممن اعتادوا تقديس الاتباع وتخدير الفكر، خاصة متى كان اتباعا لمن لهم مكانة عليا ومميزة في المجتمع. وهذا الاتباع يمثل آفة من آفات الخطاب لأنه يعطل القدرة على التقييم، ويعطل القدرة على الفهم فيتولد عنه الاستنتاج الخاطىء بناء على فكرة مسبقة متخمرة في الذهن.. والخطأ في الاستنتاج ثم البناء عليه من أبرز الآفات التي يعاني منها الخطاب لدينا، فليس نادرا أن نجد بين أظهرنا من يهاجم الآخر بناء على استنتاج خاطىء استنتجه من كلامه، كأن يقول قائل: (إن المرأة الغربية، مقارنة بغيرها قوية في ذاتها)، فيهاجم بحجة أنه يدعو إلى تقليد المرأة الغربية، حتى وإن كان كلامه مقتصرا على وصف حقيقة واقعة ولم يجر فيه أي ذكر للاقتداء بالمرأة الغربية! لكن الاستنتاج الخاطىء المدعم بما هو مخزون من قبل في الذهن عن وجود مفسدين يريدون نشر الثقافة الغربية وإفساد المرأة المسلمة هو ما يندفع إلى الذهن ليبرر الهجوم! تروي لي زميلة أنها كانت تحاضر حول الفنون وتطرقت إلى الموسيقى وتأثيرها المطرب على الإنسان، فما كان سوى أن تداعت إلى أذنها عبارات مثل (ما يجوز) (الموسيقى حرام يا دكتورة). تقول: حاولت أن أفهم طالباتي العزيزات أن قول (الموسيقى تطرب) يعبر عن حقيقة غير منكرة، ولا صلة له بالقول بحلها أو حرمتها. لكن لافائدة فقد ظلت شهورا طويلة بعدها وهي تتلقى هدايا كثيرة تسرب إلى مكتبها من تحت الباب حول النهي عن الاستماع إلى المعازف. إن كان ثمة دور مهم لأساتذة الجامعات فليكن الاجتهاد في إيقاظ الوعي، والمقصود به هنا، الحرص على إفاقة المخدرين من غيبوبتهم الفكرية، لينفضوا عنهم تلك الآفات التي تنخر في أذهانهم وتحجب عنهم النور. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة