في الوقت الذي يستعد فيه العالم لبدء مباريات كأس العالم في جنوب إفريقيا أفتى الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير بحرمة ممارسة البنات للرياضة في المدارس، معللا ذلك بما تجره من مفاسد مؤكدا أن النساء وظيفتهن الجلوس في البيوت وتربية الأولاد. وقال الشيخ الخضير «لا تجوز المطالبة بممارسة البنات للرياضة في المدارس فضلا عن إقرارها»، مشددا على أن «ذلك الاتجاه إنما هو اتباع لخطوات الشيطان»، مضيفا أن «ممارسة الرياضة في مدارس البنات حرام نظرا لما تجره من مفاسد». لا أناقش الرياضة النسائية من وجهة نظر حلال أم حرام فهذا أمر مفروغ منه، وهي حق مكتسب للمرأة منذ أن سابق نبي الأمة السيدة عائشة مرتين وقال لها هذه بتلك، والجري أو السباق هو نوع من أنواع الرياضة، مؤكدا عليه الصلاة والسلام على تعليم أولادنا الرماية والسباحة وركوب الخيل. والخطاب الشرعي موجه للذكر والأنثى على حد سواء، فالنساء يدخلن في المخاطبة والأحكام والتكاليف من باب التغليب كما في قوله تعالى (يا قومنا أجيبوا داعي الله) فيدخل النساء في ذلك (البذدوي كشف الأسرار 2/5)، كما قال الأصوليون إن القرآن قد خاطب الرجل والمرأة على حد سواء، واستدل الجمهور بأنه قد جاء في الكتاب أن المسلمين والمسلمات، ولو كان مدلول المسلمات داخلا في عموم المسلمين لما حسن هذا لأنه تكرار بلا فائدة. إن من خصائص الشريعة الإسلامية أنها جاءت لعموم البشر، النساء منهم والرجال، يقول تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة). ورد في أصول الأحكام لابن حزم (3/324): كان رسول الله مبعوثا إلى الرجال والنساء بعثا مستويا، وكان خطاب الله وخطاب نبيه للرجال والنساء خطابا واحدا على هذا الأساس، فلو أخذنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدناه موجها للإناث والذكور على حد سواء. إن سوء الظن بالمرأة من وقوعها في بعض المحاذير عند مزاولتها للرياضة إنما هو من باب الظن الذي حذرنا منه رسول الله بقوله: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث...». فالقائلون بتحريمها درءا للفتنة والاختلاط وأخذا بقاعدة سد الذرائع إنما يظهرون ذلك من باب الورع والتقوى والخوف على المجتمع، لأن التحريم والتحليل لله وحده انتزعه من أيدي الناس فلا يستطيع ملك مقرب أو نبي مرسل أن يحرم ويحلل من تلقاء نفسه، ومن فعل ذلك فقد اعتدى على حق من حقوق الله. يقول تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)، يقول الرازي في تفسيره (14/163) (واعلم أن الله تعالى لما بين القانون الأعظم والقسطاس الأقوم في أعمال الآخرة والدنيا أردفه بالتبيين على ما هو الأصل في باب الضلالة والشقاوة فقال: «أم لهم شركاء شرعوا لهم...»). وهؤلاء أهل الكتاب من اليهود والنصارى وضعوا سلطة التحليل والتحريم في أيدي أحبارهم ورهبانهم، يقول تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب). وقد أوضح الإسلام أن مهمة الأنبياء والعلماء لا تتعدى بيان حكم الله فيما أحل وحرم، وقد اختص الله المحرمين لحلاله بعقوبة أشد نظرا لأنهم ضيقوا ما وسع الله بغير موجب وبدون حق. يروى عن رسول الله فيما يروي عن ربه أنه قال: «خلقت عبادي حنفاء وإنه أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا». وقد جعل الله التحليل والتحريم لعلل معقولة راجحة لمصلحة الناس أنفسهم، فلا يحل الله إلا طيبا ولا يحرم إلا خبيثا فكانت هذه القاعدة الإسلامية أن التحريم يتبع الضرر، فما كان خالص الضرر فهو حرام وما كان خالص النفع فهو حلال، وما كان ضرره أكبر من نفعه فهو حرام، وما كان نفعه أكبر فهو حلال، وبما أن مرض السكر نتيجة البدانة أصبح ظاهرة مضرة تكلف الدولة الملايين إضافة إلى زيادة نسبة وفيات عمليات الشفط وإزالة الشحوم وعملية ربط المعدة وهشاشة العظام وأمراض القلب والشرايين وتقوس الظهر، أصبح ضحاياها في زيادة مما اضطر وزارة الصحة إلى وقف إجرائها في المستشفيات، فحجة التحريم ليست منطقية لأنها تجر إلى ضرر هو أكبر من ضرر المنع. فالمرأة تمارس الرياضة داخل مدارس محصنة مستترة، لا اختلاط فيها، مع الاحتياطات الشرعية اللازمة والتي هي أصلا قائمة في هذه المدارس. إن قاعدة سد الذرائع لا يجب أن تستخدم في كل شاردة وواردة وإلا ما استقامت حياتنا، ولحرمنا على أنفسنا أشياء كثيرة تعلقا بهذه القاعدة. إن الرياضة بأنواعها أمر مرغوب لقتل وقت الفراغ وإفراغ الطاقات والمحافظة على الصحة العامة، ولا يحق لأحد أن يفتى بتحريم الرياضة للنساء وممارستها، ولا ندخل كل صغيرة وكبيرة في حياتنا في دائرة الحلال والحرام فالرياضة عادة والأصل في العادات الإباحة. إن المرأة مطالبة أمام المجتمع بأن تكون رشيقة القوام خفيفة الحركة قليلة اللحم، فما كان يعجب الرجل أيام زمان من لحم وشحم أصبح اليوم عيبا دميما وقبحا مزعجا، وليس أمام المرأة إلا الرياضة فهي عامل أساسي في الحفاظ على الصحة والقوام والعشرة الزوجية. إن التأويل في مسائل الحلال والحرام من غير استناد إلى الأصول ولكن انتصارا للهوى غير جائز في شرع الله الحنيف، وعلى وزارة التربية والتعليم أن تجعلها خطوة مباركة لواقع نعيشه. من الخطأ أن نردد أن الأصل في الشريعة أن تقر المرأة في بيتها لرعاية زوجها وأولادها فهي غير مسؤولة شرعا عن إرضاع ولدها لقوله تعالى (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) ولا يجب عليها إرضاع ولدها إذا كان أبوه موسرا لقوله تعالى (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن)، ورد في فتح الباري أنه يجب الإنفاق على المرضعة لإرضاع ولدها، أما خدمة المنزل وإطعام الزوج فهذه السيدة فاطمة تشكو إلى أبيها عليه السلام ما تلقى يدها من الرحى، قال ابن بطال لا نعلم شيئا من الآثار أن النبي قضى على فاطمة بالخدمة الباطنة وإنما جرى الأمر على ما تعارفوه من حسن العشرة وجميل الأخلاق، وأما أن تجبر المرأة على شيء من الخدمة فلا أصل له، ونقل الطحاوي بالإجماع على أن الزوج ليس له إخراج خادمة من بيته إذا احتاجت الزوجة إلى من يخدمها فامتنع لم يعاشرها بالمعروف. أما آية (وقرن في بيوتكن) فهي خاصة بأزواج النبي كما قال بذلك المفسرون توقيرا لهن، فهي عبادة، فنزول الوحي وتردد النبي عليهن أكسبها حرمة تستوجب ملازمة البيوت. ويجب علينا عندما نسأل أن نقول بقول أحمد (لا يعجبني) تأدبا مع المشرع سبحانه وتعالى. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة