«غازي علي» أزعم أنه الفنان السعودي الوحيد الحائز على كمية كبيرة من ثقافة الكلمة والموسيقا، في وقت عزت على الكثيرين من أقرانه، وظل رغم غيابه عن الصورة لمدة ثلاثة قرون، رمزا من رموز الفن السعودي الأصيل، جسد الوطن في ألحانه، ونشر ثقافته من خلال أصوات عربية مرموقة، ما زالت تعيش في الذاكرة، كما يعيش هو «محترما في كفاف» كما قال، لأن «فن العمالقة لا يؤكل عيشا» !! استمتعت بحوار أجراه معه الصحافي القدير «بدر الغانمي» (صحيفة عكاظ،9 جمادى الأولى 1431ه، الصفحتان 20/21) أعادني إلى الوراء عشرات السنين، عندما صدح ب «ربوع المدينة» و«روابي قباء» و «يا كحل العيون ياتراب بلدي/ يهون دمي وولدي/ باسمك أغني/ وأردد غنايا/ وأخلي الخلايق تغني معايا/ تعيشي يابلدي/ منصورة يا بلدي». عاش الزمن الجميل مع: «إيليا أبي ماضي» و «رياض السنباطي» و «العقاد» و «طاهر زمخشري» و «يوسف شوقي» و «عبد الفتاح منسي» و «علي محمود طه» (أين من عيني هاتيك المجال) وحلق غازي بنغمات: «الرصد» و «الحراب» و «السيكا» و «الدانة» و «المجس» في الفضاء، يوم أن لم يكن الفضاء على ما هو عليه الآن كما قال : «مضيعة للموسيقا العربية». لقد بلغ «غازي» من الكبر عتيا، وهن عظمه، واشتعل رأسه شيبا، يعاني مشكلات صحية: ضمور إحدى عضلات القلب، التي تتطلب منه الراحة بين فترة وأخرى، إلى جانب الضغط، والسكري، أصبح اليوم أسير منزله، وهو الذي ملأ الأسماع والأبصار، وسجل تراثا وطنيا، لكن صوته الآن كما قال : «لا يصلح لإيقاع العصر!! لأنه لا يأتي لشركات الإنتاج بالأموال» !! وهو الذي قال عن نفسه : «أستطيع أن ألحن عشرين لحنا يوميا للموجة السائدة، لكني أستحي من نفسي ولا يرضيني ضميري بهذا الفعل، ولعلمك جاءني ملياردير، وقدم لي كراسة كلمات يريد مني تلحينها كأغان، وعرض علي أن ألحنها وأسجلها في فرنسا، مقابل ملايين الريالات، وعندما قرأت الكلمات وجدتها تافهة، فانسحبت بحجة تركي التلحين منذ فترة».. كل المجتمعات تحتفي برموزها، وتعدهم جزءا من تراثها الوطني الثقافي، وتتسابق لتكريمهم، وتطلق أسماءهم على الشوارع والميادين، فأين مؤسسات المجتمع السعودي من «غازي علي» ؟ لماذا يتجاهله الإعلام ؟ من يمسح عنه غبار النسيان ؟ كيف لا يكرم في أرضه، وبين أسرته الفنية ؟ هل تنتظرون غيابه الأبدي لتقولوا عنه: كان.. وكان.. وكان. !! أسئلة تطرح عن «غازي» وآخرين من أمثاله، في مجتمع وصفه ذات يوم الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسين زيدان بأنه «دفان» !! وأنا أرى أن المجتمع ليس دفانا، ولكن بعض مؤسساته تدفن الرموز وهم أحياء. [email protected] فاكس: 014543856 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 106 مسافة ثم الرسالة