يعد الغناء للوطن فنا مختلفا من فنون الموسيقى والأداء، وقد برع فيه أسماء معينة ارتبطت بالغناء له، وعلى المدى البعيد، قليلون من أبدع عطاء في مجالات الغناء للوطن بشكل يتوازى فيه النجاح مع الغناء العاطفي والوصفي والأغنيات المتخصصة الأخرى كالنشيد وأغنية المناسبة. وارتبط الفنانون السعوديون بالغناء للوطن منذ مرحلة تأسيس هذا الكيان، وكان ذلك بأسلوب جماعي في الغناء الحركي المرتبط بألوان أساسية من الإيقاعات مثل «العرضة» و «السامري»، وإيقاع «الدوسري» والإيقاع الحماسي «الخبيتي». كذلك استخدم كثير من الموسيقيين الألوان الأكثر ملامسة لشغاف القلب ومن مقامات ناعمة. ولعل الدليل على هذا الاتجاه كانت وطنيات الراحل طلال مداح في بداياته مثل «وطني الحبيب» من كلمات مصطفى بليلة وألحان طلال نفسه، وأغنية «أفديك يا وطني» شعر الأمير الراحل عبد الله الفيصل وألحان الموسيقار العميد طارق عبد الحكيم. وكانت واحدة من علامات التغني بالوطن، وكلتاهما من مقام البياتي وغير إيقاعيتين أيضا: «سعوديين» و «دستورنا شرع الله». الأغنية الإيقاعية تعد أغنية «أوقد النار ياشبابها» لابراهيم خفاجي ومحمد عبده، من أوائل الأغنيات الوطنية الإيقاعية، وتعد من الأغنيات الحماسية المؤثرة على المتلقي لدرجة – كما يقول الموسيقار غازي علي – تهيئة لدخول ساحات الوغى فورا بحماسة ليس لها مثيل - فإيقاع المزمار حركي حماسي ويشاركه في تلك الصفة إيقاع الخبيتي. ومن الأغنيات الوطنية الإيقاعية الأشهر أغنية «فوق هام السحب» للشاعر البدر وغناء الفنان محمد عبده. ولغازي علي نفسه تجارب في الأغنية الوطنية الإيقاعية مثل «الله أكبر ياجدة» للشاعر هاشم أمير، كذلك أغنية محمد عمر «سعوديين... قلنا نعم نعم» للشاعر أحمد السعد، ومن ألحان سامي إحسان، وأغنية المارش أو النشيد العاطفي للملحن سراج عمر، و«بلادي بلادي منار الهدى» للشاعر سعيد فياض، ومن ألحان سراج عمر. في المقابل كانت وطنيات محمد عبده عاطفية الطرح والتناول مرتبطة بالوجدان منها «الله أحد» للثنائي البدر وعبده و «موطن الصقر» للشاعر سعيد الهندي، ومن ألحان سراج عمر. وقد جاءت على شاكلتها الكثير من الوطنيات مثل تحفة غازي علي «كحل العيون» من ألحانه ويقول مطلعها: «يا كحل العيون يا تراب بلدي فداك يهون دمي وولدي باسمك أغني وأردد غنايا واخلي الخلايق تغني معايا تعيشي يا بلدي». بلادي الغالية أما الأغنية الوطنية المرتبطة بالعاطفة بصورة أكثر نعومة ووجدانية، فلها في العالم العربي الكثير من التميز منذ تجارب الشيخ سيد درويش ووطنياته التي جاءت بالإيقاع البلدي وحاربت المرحلة الاستعمارية في مصر مثل «أنا المصري كريم العنصرين» و «اهو ده اللي صار وادي اللي كان»، و «بلادي بلادي لك حبى وفؤادي» التي غدت سلاما وطنيا لمصر. ومن المصنفات على هذه الشاكلة لدينا كانت الوصفية الوطنية: «تعال معايا... بلادي الغالية» للثنائي الخفاجي ومحمد عبده، وكثير من أغنيات الموسيقار سراج عمر، مثل: «أهواك يا بلادي حاضر ومستقبل» للثنائي عابد الجوفي وعمر، وأغنيته في إذاعة جدة «راجع لك يا بلادي»، أيضا هنا لا بد وأن تذكر واحدة من أهم تجارب غازي علي الوطنية العاطفية تلك الأغنية التي كان لها فضل انتشاره وبزوغ نجمه، وهي من مقام الرصد: «يا روابي قبا يا ملتقى الخلان.. محلا ريح الصبا من عروة والبستان والنخيل عند الاصيل تضحك تميل تروي للاجيال حكاية عن بطولة ودين هداية والسلام كله هنا في ربوع وادي الهنا يانسيم الصبا». ومنها أيضا: «ياللي عبير وردك خلا الجريح نشوان» وهي من كلماته وألحانه. كذلك أغنيات طلال مداح، مثل: «يا أرض الحب يا أرض السعودية، السعودية حبي أنا»، للشاعر إبراهيم خفاجي والملحن سامي إحسان. ومن الوطنيات العربية في هذا السياق أغنية فيروز الشهيرة كمثال «سنرجع يوما» من تأليف الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد، الذي عمل في إذاعة جدة إلى جانب مطلق مخلد الذيابي، وألحان الرحابنة. أشكال مختلفة للأغنية الوطنية السعودية باع طويل ولها أشكالها المختلفة في هذا المشوار وبرع كثير من الشعراء والكتاب والموسيقيين والمؤدين، بل وتسابقوا للعطاء الأفضل في مختلف هذه الألوان، حيث سجلت أغنيات الوطن «السينجل» نجاحات كبيرة منذ إطلاق الأغنية الأشهر في الستينيات الميلادية عن جلالة الملك سعود بن عبد العزيز في حفلات نجمة في الطائف «يا صاحب الجلالة... يا محقق العدالة... يا مكمل الرسالة» من إيقاع المزمار ومقام الرصد، وشارك فيها كل من خالد زارع وعمر كدرس وطلال مداح. وتوالت بعد ذلك لوحات الغناء للوطن والأوبريتات الوطنية، ومنها أول ما جمع مداح ومحمد عبده من أعمال وطنية من ألحان سامي احسان، منها «السيف والقرآن» من كلمات محمد هاشم رشيد، أداء طلال مداح ومحمد عبده، وهناك أوبريت من كلمات أمين قطان وإنتاجه أيضا استطاع سامي إحسان جمع مداح وعبده فيه قبل أن يلتقيا في أوبريتات الجنادرية التي لها قصة أخرى في التغني بالوطن. حب متبادل ويتحدث الفنان محمد شفيق عن الأغنية الوطنية قائلا: «للأغنية الوطنية دور كبير في تعزيز المفاهيم الوطنية لدى الشباب والنشئ، لأنها تتحول لأشبه بأهزوجة يرددوها على الدوام وهي تعطيهم دافع الاعتزاز بوطنهم والتغني فيه على الدوام، وهي من الوسائل المعينة على غرس الانتماء الوطني، ورسالة حب متبادلة بين الشعب وقادته وبين الشعب والأرض التي يعيشون على ثراها». ويضيف شفيق: «الأغنية الوطنية كانت وما زالت نبض حب ونقش جميل في وجدان الأغنية السعودية التي تعاقب عليها نخبة من الشعراء والملحنين الكبار الذي أثروها وعززوا وجودها على الساحة المحلية والخليجية وصولا للعربية». من جانبه، يعتبر فنان العرب محمد عبده، أن تقديم الفنان للأغنية الوطنية واجب وطني يدفعه له حبه لوطنه وإخلاصه له، مشيرا إلى أن الأغنية الوطنية السعودية وصلت للعالمية، بفضل من صاغوا وجودها من شعراء وملحنين ومطربين حتى أضحت المملكة من أكثر الدول تقديما للأغنية الوطنية بجودة عالية ومهنية كبيرة، كما أضحت علامة فارقة لا يمكن تجاهلها أو تناسيها في تاريخ الأغنية السعودية.