تستضيفه السعودية وينطلق اليوم.. وزراء الأمن السيبراني العرب يناقشون الإستراتيجية والتمارين المشتركة    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    البرهان يستقبل نائب وزير الخارجية    كاساس: دفاع اليمن صعب المباراة    قدام.. كلنا معاك يا «الأخضر»    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة    جواز السفر السعودي.. تطورات ومراحل تاريخية    حوار «بين ثقافتين» يستعرض إبداعات سعودية عراقية    5 منعطفات مؤثرة في مسيرة «الطفل المعجزة» ذي ال 64 عاماً    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مترو الرياض    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    القصيم تحقق توطين 80% من وظائف قطاع تقنية المعلومات    المدينة المنورة: وجهة استثمارية رائدة تشهد نمواً متسارعاً    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعيش محترماً في كفاف وفن الجبابرة لا يؤكل عيشاً
رفضت الملايين لتلحين كلامٍ تافه .. موسيقار الذوق الرفيع غازي علي ل عكاظ:
نشر في عكاظ يوم 23 - 04 - 2010

لم أجد وصفا ينطبق على قامة الموسيقار غازي علي، المنقطع منذ ثلاثة عقود عن الوسط الفني دفاعا عن قناعاته ورؤاه، سوى أنه (حالة لا تعرف النشاز)، وسواء اتفق معي القارئ أم اختلف، فإن هذه الظاهرة الإنسانية المنكفئة على مبادئ الذوق الرفيع تمثل استثناء وحالة تضاد حادة، تسير عكس تيار الأغنية السريعة والملايين المتطايرة على كل ما هب ودب في وسط لا يحكمه ضابط فني ولا فنان منضبط.
بحثت عن عندليب الأغنية الوطنية وواضع لبنتها لأرتوي شربة من زمزم وأصعد معه جبال النور، مرورا بربوع المدينة وروابي قبا، فوجدته يعيش حالة تصوف في شقة متواضعة ومستأجرة في عمارة تستحق أكثر من الترميم، استفززت آلامه المبعثرة بحثا عن مكنون لم يفصح عنه من قبل. نظر إلي ضاحكا، وقال: لا تحاول، فأنا أعيش في هذا المكان العتيق حالة سلام مع نفسي وسلم مع الآخرين. ثم أردف مستطردا ليفتح باب الإثارة على مصراعيه: لقد وصلت إلى قناعة بأنني لا أصلح لهذا الزمن، وكأني من كوكب والوسط الفني الحالي من كوكب آخر.. قال بأن الفن العربي منتكس والذوق في غربة وما ينتج حاليا يعد مضيعة للموسيقى العربية وحالة استسلام وانهزام أمام المد الفارسي والباكستاني والهندي..
حوار فيه رسائل وإشارات لاذعة وأراء لا تعرف المجاملة، بدأناه من الحماطة وسوق القفاصة في المدينة المنورة، حيث ولد وتربى وتكونت ملكته الشعرية والموسيقية وظهرت ملامحه وانتهينا بالرسالة الغامضة التي تنبأ فيها شقيقه صبري بوفاته في حادث طائرة وهو ما كان.
توفي والدي -رحمه الله- ولم أبلغ الخامسة بعد، فتولت أمي تربيتي ولم تشعرني أنني يتيم؛ فقد كانت بالنسبة لي صديقتي وأختي وكل شيء في حياتي، وكانت -رحمها الله- مثقفة بالسليقة وعلمتني كيف أقرأ. أتذكر أن والدي -رحمه الله- أهداها كتابا عن السندباد البحري من تأليف مربي الأجيال وأحسن قاص للأطفال في ذلك الوقت كامل الكيلاني، فأعطتني إياه لأقرأه ثم أتبعته بقصة الظاهر بيبرس، واستمرت تزودني بالكتب على مراحل منذ الرابعة الابتدائي إلى أن أوصلتني لقراءة الروايات المترجمة لديستوفسكي وتشيكوف وغوركي في السادس الابتدائي، فحدث الانفجار عندما سمعت أغنية لعبد الوهاب من كلمات إيليا أبوماضي يقول فيها متأملا: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت .... إلخ.
وظل اسم إيليا أبوماضي في ذاكرتي إلى أن أتى أحد الأيام وكنت خارجا من باب الرحمة في المسجد النبوي، فرأيت في دكان محمد النمنكاني كتابا معلقا بعنوان (الخمائل) لإيليا أبوماضي وقيمته ريال واحد، وكان مصروفي لا يتجاوز أربعة قروش في تلك الفترة، فطلبت منه ألا يبيع الكتاب وأن يمهلني أياما عدة لجمع المبلغ، وفعلا عدت له واشتريت الكتاب، وعشقت من وقتها شعر إيليا أبوماضي، ثم اتجهت بعد ذلك للقصة؛ فقرأت للمنفلوطي ثم قرأت كل مجموعة يوسف السباعي ومن أجملها وأروعها (السقا مات) الذي أبكاني كثيرا، ثم اتجهت لقراءة كتب إحسان عبد القدوس ثم نجيب محفوظ.
• الغريب أنك درست في الحرم ثم انقطعت عن الدراسة فجأة، لماذا؟
درست مثل سائر أقراني في ذلك الوقت في الحرم عند الشيخ حافظ -رحمه الله-، وكنت أشغل وقتي بالقراءة أو سماع الموسيقى في سن مبكرة، وساهمت الأجواء المنزلية في هذا الأمر، فخالتي صوتها جميل، والوالدة كذلك، كما أن جدي لأمي الشيخ أحمد دسوقي كان موسيقيا ويعزف على العود، وحدث لي موقف في سن الخامسة عندما سمعت موسيقى منبعثة من محطة أنقرة التركية من أول راديو يدخل حوش الشام في المدينة المنورة، فأبكاني اللحن، كان عبارة عن موشحات يغنيها الرجال والنساء، واستحييت أن يراني أحد فاختبأت تحت الدرج، ومنذ تلك اللحظة شعرت أن لدي شيئا من التذوق والإحساس، وبدأت الموسيقى تلعب في رأسي وكان عندي هوس شديد بها، لدرجة أنني لحنت وكتبت كلمات قبل أن أدرس موسيقى، وتأثرت دراستي في مدرسة الملك سعود النموذجية ولم أكملها، فقررت الوالدة أن أكمل دراستي في القاهرة في معهد الكونسرفتوار، وعندما قابلت الدكتور أبوبكر خيرت -رحمه الله- (عميد المعهد) رحب بي، فأخذت الإعدادية والثانوية مع دراسة المواد الموسيقية من الكونسرفتوار، ثم أكملت القسم العالي وفيه تلقيت دروسا تربوية رائعة من أسماء كبيرة وتعلمت أشياء جميلة خلاف الموسيقى، وكيف يمكن أن أسلك السلوك المهذب في الحياة.
• هل ما زلت تعيش انتكاسة في داخلك منذ حرب النكسة عام 1967م؟
الفنان إذا لم يجد حرية الكلمة لكي يطير بلا قيود فلن يكون فنانا، وأنا عشت فترة النكسة الكبرى، حيث كان الفنان يحاسب على الكلمة، وتألمت منها كثيرا وتركت أثرا سيئا في نفسي، وأنظر لما وصلنا إليه الآن من مشاكل في لبنان، العراق، أفغانستان، وإيران، فكل هذه الحروب والقلاقل والفتن تؤثر على الفنان وتنعكس على نفسيته ورؤيته للأمور!. وأنا خريج سنة النكسة، وعندما ضربت القاهرة في التاسعة صباحا عام 1967م كنت أمتحن آخر مادة في المعهد عن تحليل موسيقي لأعمال كلاسيكية، فألغي الامتحان وكل طالب ذهب إلى بيته، وعشنا أياما سوداء وعصيبة، وبعد أن هدأت الأمور اضطررنا لإعادة الاختبار مرة أخرى، وتخرجت والحمد لله، لكنني ظللت أشعر بأن هناك شيئا ينقصني لأقدم الموسيقى الشرقية بخيال أوسع، فاقترح علي بعض أساتذتي بدراسة اليوجا في بريطانيا، فذهبت على أن أبقى لمدة ثلاثة أشهر، فأستهواني الأمر وبقيت لمدة خمس سنوات.
• لم أفهم بعد ما الرابط بين اليوجا والفن؟
كل الفنانين (يوجيون) بطبيعتهم، كما أن كل إنسان مخلوق يوجي، واليوجا ببساطة هي كيف تعرف نفسك بنفسك، ولا يمكن أن تعرف نفسك إلا إذا حاربت كل الغرائز وزرعت مكانها الروحانية والسمو والصدق مع النفس والآخر.
• المفترض أن يكون لهذا الترابط الأخلاقي لليوجا مع الفن نتائج في المجتمع أكبر مما نراه، حيث يعتبر الفن لدينا شيئا مبتذلا؟
من المؤسف، أن الفن الذي يولد في الغرب في الكنائس ودور العبادة من خلال الأورج والتراتيل، أما عندنا فمنذ قديم الأزل ونحن ننظر له كترفيه وفي جلسات غير بريئة، فأصبح مبتذلا وأوصلناه إلى درجة ألا يزوج الرجل بنته لفنان. يا أخي الفن أيام الدولتين الأموية والعباسية لا يغنى إلا من عيون الشعر العربي، والمغني يشترط فيه أن يكون راويا وحافظا ويقول الشعر، وكل من مر مثل إسحاق الموصلي وإبراهيم المهدي والغرير كانوا مثقفين ثقافة عالية لكي يجلسوا مع الأمراء.
• لكن الكثير من أصدقائك يرون أنك انشغلت إلى درجة المبالغة في الدراسة الأكاديمية وتركت الساحة لغيرك؟
الغناء ليس مجالي ولا مهنتي ولست مقتنعا بصوتي، رغم إعجاب البعض به. نقطة أخرى مهمة في هذا الشأن وهي عدم توفر المادة، لكي أسجل أغنية في القاهرة تكلفني حاليا 250 ألف ريال تقريبا من فرقة موسيقية واستديو وسكن وخلافه.
• وأين شركات الإنتاج منك؟
صوتي لا يصلح لهم ولهذا الزمن لأنه لا يأتي لهم بالمال، لكن صوت شاب عمره 15 سنة مثلا يحقق لهم ذلك. وهناك في مصر من الفنانين الجبابرة من نفس لوني لا يحققون نتيجة وفنهم لا يؤكل عيشا.
• إذن، نحن نتغير إلى الأسوأ؟
من دون شك، لأننا لم نعد نسمع:
أين من عيني هاتيك المجال لعلي محمود طه، أو كليوباترا.. فلا أحد يريد سماع هذا اللون لتغير إيقاع العصر.
• لهذا قلت إن الوسط الفني غير جذاب؟
للأسف، هذا واقع ليس فيه جديد.
• وفضلت الانسحاب؟
أنا موجود في بيتي ولم أنسحب، وما زلت أقدم دروسا منذ 30 سنة، وخرج من تحت يدي تلاميذ، لكنهم لم يجدوا متنفسا لإمكاناتهم؛ لأن تركيبة الساحة الفنية تسير بشكل خاطئ وتتطلب وجود شخص كبير ليصرف عليهم؛ سواء كان صاحب شركة أومنتجا، بشرط أن يكون على ثقافة عالية وفنانا يحس بقيم الفن، ثم إن علينا أن نساير متغيرات العالم التي أثرت على الفن، فلم تعد أغنيات الطرب التي تمتد لساعة وأكثر مطلوبة، وانتهى الزمن الذي كنا فيه نسمع أم كلثوم لتصبح الأغنية التي تتناسب مع إيقاع العصر لا تتجاوز أربع دقائق فقط.
• حتى أنت تغيرت؟
لا، أنا أجلس بالساعات أستمع لصالح عبد الحي وأم كلثوم ومحمد عبده وطلال مداح في أغانيهم الطويلة.
• لكنك لم تتأقلم مع إيقاع العصر؟
ما يحدث مضيعة للموسيقى العربية؛ فالمقامات التي تسمع فيها الإحساس الشرقي الجميل والتي تعتبر دعامة للموسيقى في الجزيرة العربية تحديدا مثل الحجاز كار والشاهناز والرصد والحراب والبنجكة والسيكا قد انتهت، ولم يبق في الساحة حاليا، إلا نتاج الغزو الثقافي للفن الباكستاني والفارسي والهندي الذي يأتينا عن طريق الأفلام السينمائية فلم نعد نسمع في كل الخليج إلا مقامات الكرد والنهاوند والعجم.
• في الفترة التي قضيتها في مصر، ألم تتأثر بالفكر القومي؟
إطلاقا لم أتأثر، لكن عندما حدثت حرب 1973م وأنا في بريطانيا بكيت على كل شبر احتلته إسرائيل من الأرض العربية، ولم نتمكن من تحريره وكتبت أغنية «يا كحل العيون يا تراب بلدي فداك يهون دمي وولدي باسمك أغني وأردد غنايا وأخلي الخلايق تغني معايا تعيشي يا بلدي منصورة يا بلدي».
• مع أنك بنيت صداقات تحسد عليها مع طبقة الأدباء والمثقفين؟
أنا كنت أرافق الأستاذ طاهر زمخشري دائما، ومن خلاله تعرفت إلى عدد كبير من الأدباء ووجوه المجتمع في مصر، فالعقاد رأيته في شارع الشراتين يجلس في مقعد وإلى جواره أنيس منصور، وأكثر من سعدت برؤيتهم ومعرفتهم الدكتور يوسف شوقي العالم الجيولوجي وخريج جامعة هارفارد وصاحب اللحن الأجمل الذي كسر به الدنيا في عام 1956م لقصيدة:
لن ينام الثأر في صدري وان طال مداه
لا ولن يهدأ في قلبي وفي روحي لظاه
• لماذا لم تلحن لأم كلثوم؟
بصراحة تمنيت أن الحن لفيروز وجهزت لها لحنا منذ 30 سنة من كلمات الشاعر عبد الرحيم البرعي، لكن لعدم توفر المال الكافي لدي للسفر إلى بيروت وعرضه عليها، ثم يمكن أن ترفضه كما رفضت قبل ذلك لرياض السنباطي وتقول كلماتها:
يا راحلين إلى منى بقياد
هيجتم يوم الرحيل فؤادي
• ألم تجد صوتا بديلا لأداء هذا اللحن؟
لا يليق هذا النص إلا بفيروز.
• وما سر علاقتك المتميزة بالموسيقار رياض السنباطي -رحمه الله- حتى قيل إنك أصبحت سنباطيا؟
علاقتي به سببية بحتة؛ فأول ما فتح معهد الكونسورفتوار في القاهرة سنة 60م، كان المنهج كله يخضع لمناهج أوروبا، أو على الأصح لمنهج إيطالي، فكتب كثير من النقاد: نحن دولة عربية وننادي بالقومية والعروبة، كيف ندرس أعمال لبيتهوفن وموزارت وشوفان، وننسى سلامة حجازي وعبده الحامولي، ونادوا بفتح قسم خاص في الكونسورفتوار للموسيقى الشرقية، فدرست أنا في القسم الغربي الصوت في الفوكاليز والأوبرا، عند الأستاذة جيلان روكيل لمدة ثلاث سنوات، وبعدها فتحوا في القسم العالي فرعا للموسيقى الشرقية وأتوا بعمالقة الفن في مصر تلك الفترة؛ رياض السنباطي وجورج ميشيل و إبراهيم شفي وحورية عزمي وكامل عبد الله وعبد الفتاح منسي، فقلت لنفسي: كيف أفوت الفرصة وأدرس أوبرا وأغني لفيردي، فقدمت للعميد أبو بكر خيرت طلبي، فقال لي: «علشانك جاي من الأراضي المقدسة ولونك شرقي سأسمح لك»، فدخلت على خمسة أساتذة لدراسة الموشحات عند إبراهيم شفيق، والقوالب الموسيقية العربية عند رياض السنباطي، والعود عند جورج ميشيل، والموسيقى الشرقية لدى حورية عزمي، وعبد الفتاح منسي لتدريس القانون، وفوجئت عندما دخلت على الأستاذ رياض السنباطي أنه قبلني لسابق سماعه لأغنياتي في إذاعة صوت العرب، وتكونت بيننا صداقة كبيرة أشبه بعلاقة أب مع ابنه، وكان -رحمه الله- يأخذني معه في نهاية اليوم الدراسي ليوصلني إلى شارع الهرم، وقربتنا الساعات التي قضيناها معا في السيارة بيننا وأحبني أكثر عندما عرف أنني أحفظ كل ألحانه مثل؛ (نهج البردة)، (ولد الهدى)، والرجل -رحمه الله- كان عزيز نفس وطيبا مع البسطاء جدا، وأتذكر أن بعض الأساتذة الأجانب تعالوا عليه في بعض الأحيان فكان يبادلهم الشعور نفسه بأنفة وكبرياء.
• بالمناسبة، ما مدى صحة ما يقال من أن أم كلثوم، رغم أنها سنباطية، إلا أنها نجحت أكثر مع محمد عبد الوهاب الذي غير من تكتيكاتها الفنية؟
هذا كلام سليم، لكن الحياة لا تقتصر على شيء معين، ومع احترامي لعبد الوهاب فلو سألتني أين تجد الإحساس الشرقي (الحراق) الذي يثير الشجن ويحرك الآه في المستمع نفسه، فلن تجده إلا في أغاني السنباطي وزكريا أحمد، وكلهم لبنة في البناء.
• الغريب أن عفاف راضي وجمال سلامة وهما زملاء دفعتك، انزويا عن الأنظار أيضا بعد فترة ظهور لم تدم؟
هذه مشكلة من درس وميز الغث من السمين، فتجده بعد فترة لا يقبل بالتنازل عن مبادئه التي تعلمها والضوابط التي سار عليها، فأنا مثلا أستطيع أن ألحن عشرين لحنا يوميا للموجة السائدة، لكنني أستحيي من نفسي ولا يرضيني ضميري بهذا الفعل. ولعلمك جاءني ملياردير وقدم لي كراسة كلمات يريد مني تلحينها كأغان وعرض علي أن ألحنها وأسجلها في فرنسا مقابل ملايين الريالات، وعندما قرأت الكلمات وجدتها تافهة الله لا يوريك، فانسحبت بحجة تركي التلحين منذ فترة.
• هذا يعني أن الساحة الفنية أصبحت بيع وشراء فقط؟
للأسف أنها أصبحت بضاعة رخيصة وسوق كاسدة للذوق الرفيع.
• ألا تشعر بأن لديك ملكة لم تستغل ماديا، واستفاد منها من هو أقل منك إبداعا وقدرة؟
ربما، لكن لا تنس الفارق العمري بيني وبين غيري من المطربين الشباب، فأنا لا أستطيع أن أؤدي لونهم نفسه والعكس بالنسبة لهم للون الذي أجيده. زد على ذلك أن اللون الذي أؤديه لم يعد له جمهور وحتى لو جاءت أم كلثوم حاليا فستتفوق عليها نانسي عجرم في المبيعات بصوتها الجميل والخفيف وأغانيها السريعة التي تشبه أسلوب شادية، أما الكلاسيك فتراجع جمهوره كثيرا ولم يعد يناسب إيقاع العصر.
• هذا يعني أنك تستمع للأغاني الحديثة؟
للأسف، أنها لم تقنعني ولا تشبعني طربا ونغما، كما يفعل زكريا أحمد وتغني له أم كلثوم «أه من لقاك في أول يوم» التي نسميها (الآهات) وشوف الصور الغريبة فيها، وصدق أحمد شوقي عندما خاف على اللغة العربية من بيرم التونسي.
• في هذا السياق، ألا تعتقد أن سيادة اللون النبطي حاليا تمثل تحييدا للفن الحجازي؟
نحن نمر بمرحلة استساغت فيها الأذن اللون النبطي.
• لكنك ترفض تلحين الشعر النبطي؟
ما دمت لا أجيد الحديث بالنبطي، فمن باب أولى ألا أجيد تلحينه، ويصعب علي أن أكون صادقا في عكس هذا اللحن.
• هل نستطيع أن نقول إن الفترة التي كانت تهتم فيها ثريا قابل بالكلمة وفوزي محسون باللحن ومحمد علي سندي بالفلكلور انتهت؟
الفن الحجازي القائم على الدانة والمجس والمجرور غائب، وبدأ يندثر مع أنه تراث وثقافة منطقة، وقلة من يعملون للحفاظ عليه مثل؛ الأستاذ جميل محمود في منتداه الأحدي من كل أسبوع، لكن هذا الاهتمام لا يقوم على نشاط فردي، إنما يتطلب هيئة للإشراف عليه. وأنا أطالب وزارة الثقافة والإعلام بأن تلتفت للفن الحجازي وأن تعيد لنا القوالب القديمة كأساس ومرجع وتوثيق، وعليها أن تبحث عن الفنانين الذين يجيدون هذا اللون لنتدارك ما بقي لمواجهة الغزو القادم من الخارج؛ كأغاني الراب التي تدفن المقام الموسيقي وتعتمد على الإيقاعات فقط وتؤذي ذوق وأذن المستمع.
• وأين جمعية الثقافة والفنون من هذا الدور؟
الجمعية ضعيفة وميزانيتها لا تساعدها للقيام بهذه المهمة؛ لأن المطلوب أن يقوم اثنان أو ثلاثة أو أكثر من الأكفاء المثقفين فنيا بجولة على المناطق وتسجيل الأعمال وتقديمها إلى لجنة لدراستها وتدوينها من خلال مجموعات عمل، بمعنى أنه جهد أكاديمي بحت وهذا غير موجود في الجمعية.
• مارأيك في من يقول بأن جيل سعود سالم وأسعد عبد الكريم وسعود شربتلي فشل في إثراء الأغنية الحجازية؟
أنا أعتقد أن سعود سالم أقرب إلى إضافة شيء على الأغنية الحجازية وهذه تجدها في أغنية (سلم علي بعينك) وأنا أغبطه عليها كثيرا.
• الملاحظ أنك لم تشارك في تقديم أي أوبريت؟
لم توجه الدعوة لي أصلا، وزد على ذلك أنني لا أملك القدرة على تنفيذ مثل هذا اللون الذي يتطلب تشكيل كل منطقة بإيقاع معين وانشغال وسفر، وأنا أعاني من مشاكل صحية تتمثل في ضمور إحدى عضلات القلب التي تتطلب مني الراحة بين فترة وأخرى، وهذا ما دفعني للعمل في بيتي أيضا، مع أنني أمارس السباحة كل يوم، أضف لذلك المشاكل اليومية للضغط والسكر أيضا.
• مع أنك لم تتزوج أبدا ومشتري دماغك من المسؤوليات الأسرية؟
ممارستي لليوجا في بريطانيا أبعدتني بشكل لا تتخيله عن غرائز الدنيا بما فيها من شهوات النفس، وتستغرب أنني تخطيت هذه المرحلة بتنمية ذاتي من الداخل وأداء رسالتي للمجتمع كمثقف وفنان والسيطرة على ذاتي بالمنطق الجميل والحلو ومحبة الناس، مثل غاندي الذي هزم بريطانيا بمبادئه البسيطة.
• لماذا يقال إنك محسوب على معسكر طلال مداح أكثر من محمد عبده؟
كلاهما عينان في رأس، وأنا محسوب على كل الناس ولست مخصصا لأحد، لكن علاقتي بدأت بطلال -رحمه الله- من قبل أن يعرف كمطرب عندما التقيته في بيتهم في الطائف، برفقة الفنان الراحل عبد الله محمد، فأصبحنا أصحاب منذ ذلك الوقت.
• ولهذا السبب تنازلت لطلال عن أغنياتك (أسمر حليوة) و(سلام لله يا هاجرنا) في أول تعاون بينكم؟
أنا لحنت هذه الأغاني لنفسي وكنت ما زلت طالبا في معهد الكونسرفتوار، ورغبت أن أغنيها بنفسي في بيروت فالتقيت بطلال هناك، فقال لي: «إيش عندك ؟ تبغى تسجل إيه؟» قلت له: كذا وكذا.. ومن ضمنها (سلام لله) و(أسمر حليوة) التي لحنتها لفنانة لبنانية اسمها سلامة، فأخذها طلال بحكم الصداقة التي تجمعنا، وقال لي: لن يغنيها أحد غيري، فلم أجد بدا من الموافقة على رغبته، ثم أضاف لها أغنية ثالثة باللهجة المصرية كتبها ميشيل طعمة لفيلم اسمه شارع الضباب ومطلعها (اسمحوا لي أقلكم مش دا كلام يتقال).
• بالمقابل، لم نر أي تعاون لك مع محمد عبده؟
لم توجد الفرصة التي تجمعنا سويا، كما أن أفكاري تختلف عن أفكاره.
• هل تقصد أنه لا يستعذب ألحانك؟
لأ، هو موفاضي لي، ولوطلب مني التعاون معه فلا مانع عندي.
• بالمناسبة، مارأيك في حكاية فنان العرب؟
ما في داع لهذا السؤال؛ لأن محمد عبده إن أطلقوا عليه فنان العالم أو العرب يستحق كل ذلك.
• وإن سألتك كموسيقي وخبير في هذا المجال، من يستحق هذا اللقب بصدق بغض النظر عن أية حساسية، فماذا تقول؟
عبد الوهاب؛ لأنه خلق مدارس وتطرق لجميع أنواع المؤلفات الغنائية وجدد فيها، وهذا سر إعجاب الناس به ونجاحه أيضا.
• ما مدى جدية الدروس التي تقدمها في منزلك؟
إنها بمقابل معقول، ضحك ثم أضاف: يأتيني طلاب من كل أنحاء المملكة عاشقين لتعلم الفن، خلاف الموجودين في جدة، بل إن أحد طلابي يأتي أسبوعيا من نجران، والبعض يأتي ليصحح أخطاءه في العزف وخلافه.
• وهل تسد هذه الدروس احتياجاتك؟
بالكاد، لكنها مستورة والحمد لله، وصدقني يكفي أن تشعر أمام نفسك بالاحترام ولو عشت على كفاف.
• ماهو أكبر مبلغ تلقيته مقابل ألحانك؟
250 ريالا من التلفزيون السعودي مقابل أغنية (ربوع المدينة) ومن (روابي قبا) مع أنني خسرت في تنفيذهما أكثر من خمسة آلاف ريال؛ لأنني اضطررت لتصوير الأغنيتين في محافظة خليص وجبال طريق مكة لمدة يومين لكون المخرج هاري مسيحي الديانة.
• مع أن الناس تتصور أن أي فنان مليونير؟
هذا واقع صحيح، لكن ليس مع غازي علي؛ لأنه يرفض أن يقدم عملا مبتذلا.
• هذا ينطبق على أغاني الفيديو كليب؟
من دون شك، لكن هذا لا يمنع من القول إن هناك أسماء جميلة في مصر درست وتقدم أداء مقنعا في أسلوب التوزيع؛ مثل هاني شاكر، وهناك أغاني لعمرو دياب لا أنكر أن فيها أبعادا جديدة على الأغنية العربية، كما تحس في بعض أغاني ثامر حسني بالتجديد وهؤلاء كلهم درسوا الموسيقى.
• ما مدى صحة أن أغنية (سلمى ياست الحلوين) نتاج قصة حقيقية، وهل صحيح أنها من أسباب عدم زواجك؟
لا، هذا غير صحيح، لكنها أغنية بنيت على قصة حب لم تتم لوجود خطوط حمراء وقفت حيال ذلك.
• حتى أغنية (من البحرين) لها قصة عاطفية؟
هذا صحيح، كنت في زيارة للأستاذ طاهر زمخشري فشاهدت فتاة جميلة جدا وسألت صديقي عنها، فقال لي: إنها من دولة البحرين وتقوم بنشاط أدبي. فسألت عنها في اليوم التالي، فقيل لي: إنها سافرت. فخرجت وركبت الحافلة وبدأت في تلحين المقطع الأول «على البحرين سافر الزين وقل للزين دموع العين على الخدين تسير بحرين».
• الواضح أن أغلب أغانيك تكون نتيجة انفعالات لحظية؟
كل الأغاني التي لحنتها وأديتها نتاج الانفعال اللحظي، وهذا شيء يسعدني ولا شك.
• هل تعتقد أن مشكلة الفن السعودي محصورة في نظرة المجتمع الدونية له، أم أن هناك أسبابا أخرى؟
إلى جانب هذه النظرة، لا توجد لدينا الأيادي الفنية كالفرق الموسيقية والكورال ومهندسي الصوت والاستديوهات، ولا أقصد الاستديوهات التجارية، وإنما أتطلع إلى أن تقوم وزارة الثقافة والإعلام بفتح استديوهات على مستوى راقٍ في الإذاعة وجلب فرق موسيقية، كما فعلت الكويت في الستينيات عندما جلبت عتاولة الفنانين والعازفين المصريين ففتحوا معهدا للموسيقى، وفي المسرح جلبوا زكي طليمات فأصبح عميد المسرح الكويتي، وجابوا العلامة الدكتور أحمد زكي فتولى رئاسة تحرير مجلة (العربي) فالمسألة بحاجة الى صرف من الدولة.
• وهذا سبب عدم تعاونك مع الإذاعة؟
لو وجدت فرقة موسيقية على مستوى عال ومهندسون، فأنا على استعداد لأن أبات على باب الإذاعة والعمل على مدار ال24 ساعة، وسأقوم بتجميع كل الناس الجيدين والعمل معهم. وللأسف أنه ليس أمام من يريد أن يقدم عملا راقيا وجميلا إلا أن يسافر خارج المملكة ويتبهدل هناك.
• لكنك لحنت لوديع الصافي وسميرة توفيق ونازك في الستينيات ثم توقفت، لماذا؟
عندما كان عباس فائق غزاوي مديرا للإذاعة كان يطلب مني تلحين قصيدة معينة لفنان معين في فترة التعاون المشترك بين الدول العربية، وكنت أخذ أجري أول ما أخرج من الاستديو، أما الآن «فتمر السنتين علشان تاخد حقك وما تلاقيه»، أما عن توقفي عن التلحين فبسبب خشيتي من تكرار نفسي.
• وهل نجحت تجربة تعاونك مع عطية شرارة في تلحين المقاطع الموسيقية؟
لم تنجح الفكرة، لكن الموسيقى والمقاطع جميلة جدا، ليس لأنني ملحنها، ولكن لأنها بحاجة إلى سميع يقدر هذه الألحان، وهي تذاع بين فترة وأخرى في الإذاعة السعودية وتتكون من 11 لحنا بعنوان (إشراق) لحنتها وسجلتها عام 2000م على مراحل. أما عطية شرارة فقد عزف معي أغاني (ياللي طريقك شوق وعذاب) من كلماتي، وأغنية (ياندامة) التي غنتها نازك مع فرقته فقط.
• بصراحة، لماذا لم تتزوج بعيدا عن فلسفة اليوجا؟
ما شاهدته وشعرت به بعد نكسة 67م من تراكم لمشاكل العالم العربي جعلني أتساءل: «لماذا أخلف أناس لكي يتعذبوا من واقع الأمة». وصدقني بعد كل هذه السنوات أنا مقتنع الآن بصحة قراري في عدم الزواج؛ لأن العالم يسير إلى خراب.
• علشان كدا استبدلت الأولاد بالطيور؟
تقريبا، أنا أحب الطيور، خصوصا الببغاوات وأعاملهم مثل أولادي وبيني وبينهم علاقة حميمية، لدرجة أنني أطعمهم من فمي ويغنون معي ويحادثونني أيضا، وتمنيت لو خلقني الله طيرا لأطير وأحلق في حرية مثلهم.
• تشعر أنك مقيد؟
دائما.
• وهذا سبب انزوائك وعدم حضورك الحفلات ومناسبات الزواج التي تدعى لها واكتفاؤك بالحضور في مراسم العزاء فقط ؟
أولا أنا أحضر في العزاء؛ لأن فيها أجرا ومواساة لإنسان آخر، أما مناسبات الزواج فانقطعت عنها لكثرة ما أسمعه فيها من قبح غنائي وموسيقي يؤذي مسامعي وذائقتي.
• إذن، من يستميل ذائقتك الآن؟
عربيا؛ هناك شاب له صوت لا يعرف النشاز اسمه وائل جسار، وآخر لبناني اسمه معين شريف، لكنه تنحى جانبا لعدم قدرته على مجاراة الجو السائد حاليا، لكنه صوت دارس وفاهم وإذا سمعه وديع الصافي صفق له بحرارة، أما محليا فلا يعلى على محمد عبده وحنجرته ذهبية لا تشيخ ولا تصدأ وميزته أيضا أنه ملحن خطير جدا وأعجبني لحنه للأغنية الوطنية (فوق هام السحب) كثيرا.
• لكن الملاحظ أن تلاميذك طلال سلامة وأسامة عبدالرحيم، لم يكن لهما حظ كبير في الساحة الفنية؟
أعتقد أن طلال سلامة يعتبر الآن أفضل من يؤدي المجس، أما أسامة فلم يتماش مع الوضع السائد للإيقاع السريع فانسحب في هدوء.
• هل تعتقد أن غياب سراج عمر ومحمد شفيق هو نوع من الانزواء عن الساحة الفنية؟
العارض الصحي الذي يمر به الزميلان العزيزان فرض عليهما الغياب عن الساحة، أسأل الله لهما الشفاء والعافية.
• هل تشعربسعادة في ظل هذا الزهد والتصوف؟
مشكلتي أنني لا أجيد لغة المال، ولعلمك ضحك علي أحد الأصدقاء قبل 25 سنة، وأخذ مني كل ما أملك في ذلك الوقت وهو مبلغ 250 ألف ريال لعمل ورشة للصناعات المعدنية، وبعد شهرين اختفى كل شيء (الله يسامحه) ورغم هذا فأنا سعيد بما وصلت إليه ولم أتمن في أي يوم أن يكون لي بيت أوسيارة لولا أن أختي اشترتها لي.
• مع أنك تقود السيارة؟
توقفت عن قيادة السيارات منذ 50 عاما؛ عندما توفى أخي الطيار صبري في حادث طائرة عام 1960م، وفي تلك السنة حدثت حوادث طيران كثيرة، فقالت لي أمي: برضايا عليك ما تسوق سيارة في حياتك. فتوقفت إرضاء لها من ذلك اليوم.
• قبل أن أودعك، أحببت أن أعرف سر الرسالة التي وصلتك من شقيقك قبل موته بأيام، ولم تنشر حتى الآن؟
يعني لازم تحرك علي المواجع.. صبري كان له صوت جميل ولكن القدر لم يمهله. الغريب أنه قبل أن يموت في حادث الطائرة أرسل لي صورة أريدك أن تنشرها، كتب على ظهرها كلمات عجيبة قال فيها: لا تحزن يا أخي فقد أبت إرادة الله إلا أن تفرق بيننا، وبعدها بأيام توفي في السادسة صباحا، وكنت ذاهبا إلى امتحان مبادئ البيانو في المعهد الإيطالي في الرابعة عصرا، فكنت أرى صورته في كل نوتة أعزفها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.