يظل الوطن أغنية في الوجدان لا تتأثر قوتها وسيطرتها علينا بالترديد أو عدم الترديد والإنشاد.. فالوطن دوما هو الأغنية الخالدة التي تتناغم مع أبناء هذه الأرض الذين يعيشون عليها.. ويتماهون حبا معها وكأنهم في سباق ل«الحب» والمشاعر فلقد قال الشاعر صاحب البيت الأزلي الذي صور قانون العلاقة بين الوطن والمواطن «بلادي وإن جارت علي عزيزة... وأهلي وإن ضنوا علي كرام»، ونحن في المملكة تصدى شعراؤنا الكبار وفنانونا لحمل مهام تفسير وتصوير تلك المشاعر التي تجيش وتعتمل في دواخلنا تجاه الكيان الذي طالما كان أحد أهم أسباب عزتنا نحن أبناؤه وسبب تسامق اسم هذا الوطن إلى العلياء.. فلقد شهدت مختلف مراحل تأسيس هذا الوطن الكثير من الإبداعات الغنائية الوطنية التي عانقت وجداننا وأفئدتنا.. ربما كانت أبرز هذه الأعمال هي ما ظهرت في ستينيات القرن الماضي أو قبل ذلك بقليل بأصوات الموسيقار العميد طارق عبد الحكيم وغازي علي وطلال مداح ومحمد عبده إلى جانب كثير من نجوم الفن الذين قدموا للوطن من خلال فنونهم الكثير من الإبداعات التي عاشت طويلا في الوجدان ولكن رغم كل تلك الأعمال الكبيرة للوطن كان التسابق في تحويل الوطن أغنية للوجدان بين طلال مداح ومحمد عبده هو الأكبر والأهم والأعم. طارق عبد الحكيم .. الوطن ثم الوطن كان الموسيقار طارق عبدالحكيم أول من قدم الأغنية الوطنية الحديثة في النصف مطلع النصف الثاني من القرن العشرين وأن من أبرز عطاءاته تلك المحاولة الأولى لتقديم النشيد الوطني للمملكة إلا أنها ظلت محاولة اعتمدت كنشيد وطني قددم رسميا في الإذاعة كنشيد وهو من أشعار الراحل محمد طلعت وعزف بفرقة طعمت بالنحاسيات لإظهار المارش في العمل، إلا أن وطنيات طارق الأخرى تسيدت وكانت في الوجدان بشكل أعمق مثل لحنه الكبير لنص الأمير عبد الله الفيصل وحنجرة طلال مداح «أفديك ياوطني». وهو العمل الذي وجد نجاحا كبيرا من خلال الإذاعة وفي مناسبات عدة. ياكحل العيون ياتراب بلدي .. وغازي علي هوية الموسيقار والمطرب الكبير غازي علي كانت بدايتها وطنية ووصفية وتراجم لكل ما يتعلق بالوطن الأم «المملكة العربية السعودية» والوطن العربي الكبير، ومن أشهر ماقدم في مطلع حياته الفنية في الستينيات «في ربوع المدينة» التي قوبلت بكثير من النجاح الجماهيري عندما احتفل بها الإعلام الرسمي في البدء «إذاعة وتلفزيون» والتي منها: في ربوع المدينة .. في وادي قبا أمجادنا تنادي .. أهلا ومرحبا بالشهامة والكرامة .. بالعروبة ومجدها أرواحنا الأبية .. نفديها للأحرار لكل عربي مناضل .. ضد الاستعمار منبع القومية .. والوحدة الأبية ثم قدم عمله الوطني الكبير «من جبال النور» الذي يقول مطلعه: من جبال النور .. من هذا الخير لك سلام الفين .. ياشعب الجزيرة «إحنا» أمة ارتفعنا في القمم يوم نشرنا العدل مابين الأمم والوفا في طبعنا منذ القدم اسأل الأجيال «عنا» والحرم وفي فترة حرب اكتوبر 1973 يقول غازي علي: اشتعلت الحرب العربية الإسرائيلية وكنت في فترة دراسة في لندن فبدأت فورا بكتابة وتلحين «ياكحل العيون .. ياتراب بلدي» وسجلت العمل فورا وشاركت به في تلك الفترة وكان نصه يقول: فداك يهون دمي وولدي باسمك انادي واردد غنايا واخلي الخلايق تغني معايا تعيشي منصورة يابلدي يانجمة ياساهرة جنب القمر ليالي طويلة بعمر الدهر ياشايفة امجادك امجاد الجدود الماضي والحاضر رمز الخلود ويله اللي يتخطى حدودك يتلظى بنار صمودك وكل هذه الأعمال الثلاثة بصوت غازي علي وكلماته وألحانه وكانت من الأعمال الوطنية التي تحتاجها تلك المرحلة، ومن ناحية ساهمت في لمعان وبريق اسم غازي علي في الستينيات والسبعينيات. الوطن عند طلال مداح من المؤكد أن الأغنيات الوطنية التي قدمت قبل العام 1380/1960 رغم جمالها ووطنيتها المفعمة فنا ووطنية لم تكن كتلك التي أشعلها الراحل طلال مداح رحمه الله في «وطني الحبيب» في بداية الستينيات كانت بداية الغناء الحديث للوطن إذ اختلفت كثيرا عن تلك الوطنيات التي كانت تقدم في حفلات نجمة في الطائف مثلا إلى جانب العاطفيات في عهد الملك الراحل سعود بن عبدالعزيز وجاءت كثيرة الاختلاف وتقدم أنموذجا للأغنية الوطنية التي تعزف على أوتار القلب والعاطفة التي تمور في الحنايا تجاه الوطن وترابه وتلك العلاقة الكبيرة التي تربط أكبادنا بالوطن فجاءت «وطني الحبيب» من شاعرها مصطفى بليلة وملحنها ومؤديها طلال كتحفة وطنية عاطفية تحمل كل تراجم العلاقة بين الوطن والمواطن في تلك المرحلة بالذات فرددتها الألسن والقلوب كونها أغنية «ذكية» في كل شيء وأول عوامل هذا الذكاء فيها كان ابتعاد طلال مداح عن الحماس الموسيقي الذي يصوره «المارش» في الأغنيات الوطنية. كما كان الأمر معتادا وسائرا في الداخل والخارج في الأعمال الغنائية الوطنية، وأصبحت الأغنية الوطنية الأبرز على مدى عقود من إيقاع «رومبا» ومقام البيات. كان طلال مداح رحمه الله وفير الغناء للوطن لا سيما في تلك المرحلة التي شهدت غناءه للملك سعود في حفلات نجمة وكانت أشهرها تلك التي كتبها الراحل خالد زارع رحمه الله والتي يقول فيها طلال: ياصاحب الجلالة يامحقق العدالة رسالة كلها فرحة يا اهلا ويامرحى كانت واحدة من أجمل أغنيات ذلك العهد إلى أن جاءت نجومية طلال في تدشين مرحلة إعلامية وفنية كبيرة في الإعلام السعودي عند مبايعة الملك فيصل بن عبدالعزيز، عندما كون طلال وطارق وخالد زارع ومسلم البرازي ووديع الصافي وفهد بلان وجاءت العديد من الأعمال الكبيرة التي خلدت المناسبة مثل «فيصلنا يافيصلنا، بايعناك بايعناك، سلمك الله يابو عبدالله» وغيرها الكثير. محمد عبده والوطن وعندما جاء دور محمد عبده وسراج عمر في الغناء للوطن كانت للتجربة ملامح أكثر من ناجحة أما فاعلية تلك التجارب فكانت من وحي حرب الوديعة في الستينيات الميلادية عندما قدم محمد عبده وهو في خطواته مابعد الأولى في الحياة الفنية تلك الأغنية الوطنية الحماسية من ألحانه وأشعار أستاذه إبراهيم خفاجي «أوقد النار ياشبابها.. وصمة العار ما نرضى بها» وهي العمل الغنائي الإيقاعي «مزمار» من مقام البيات. ثم واصل محمد عبده في تقديم الكثير من الوطنيات حتى غدا أهم وأكثر من قدمها في جل أو كل المناسبات إلى أن جاء موعد الغناء في الأوبريتات الوطنية الافتتاحية في المهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية. كما أنه غدا أول من يتصدى في كل مناسباتنا المتعلقة بالوطن وأحداثه لا سيما في تلك الفترة التي شهدت حرب الخليج الثانية بدءا باحتلال العراق للكويت عام 1990 وهي التي شدا فيها محمد عبده، وقدم من أشعار الراحل غازي القصيبي «أجل نحن الحجاز ونحن نجد» ومع الراحل الأمير محمد العبدالله الفيصل وموسيقى محمد شفيق «هبت هبوب الجنة». ثم أنه يذكر في تلك المرحلة التحاق محمد عبده كمتطوع في خط الدفاع عن الوطن. من وصفيات محمد عبده الأشهر في بداية حياته الفنية كانت «تعال معايا بلادي الغالية» من كلمات إبراهيم خفاجي وألحان طارق عبدالحكيم. ومن ألحانه قدم محمد عبده «موطن الصقر» من كلمات سعيد الهندي عن الملك المؤسس. محمد عبده ومحمد شفيق كان الموسيقار محمد شفيق رحمه الله أكثر الفنانين الموسيقيين عطاء في التغني بالوطن وعلى وجه الخصوص في أوبريتات الجنادرية حيث لحن الكثير من الأوبريتات الافتتاحية لدورات المهرجان المختلفة، حيث لحن نحو ستة أوبريتات افتتاحية منذ أول الأوبريتات «مولد أمة» بصوت الثنائي الأكبر طلال مداح ومحمد عبده اللذين واصلا أداء الأوبريتات إلى أن ادخل الكثير من الأصوات السعودية والخليجية في أداء هذه الأوبريتات، أما الأعمال الوطنية التي جمعت محمد عبده ومحمد شفيق رحمه الله فأكثر من أن تحصى ومنها «حنا جنود الله» للأمير الشاعر سعود بن عبدالله «هل التوحيد» للأمير بدر بن عبدالمحسن و«حبيبتي ديرتي، مدها يمناك» للأمير الشاعر محمد العبدالله الفيصل رحمه الله، ومن أشعار الأمير بندر بن فهد بن سعد جمع بين شفيق ومحمد عبده «الله أكبر، ماعلينا» ومن وطنيات محمد عبده من ألحانه وأشعار الأمير الشاعر خالد الفيصل «اليوم عرضة، رافع الراس» ومن أشعار غازي القصيبي «أجل نحن الحجاز، أقسمت ياكويت». ومن ألحان طلال باغر كانت «يالسعودي يالبطل، ياهلا بالمعارك» أشعار أسعد عبدالكريم و«رسالة للشيخ من جند البلد» لحن طلال باغر أيضا وشعر الأمير عبدالعزيز بن سعد، «بلاد السلام» كلمات وجدي بشاوري. سراج عمر والمشاركة الأكثر تأثيرا أما الموسيقار سراج عمر فكان تقديمه في نهاية السبعينيات الميلادية لعمله الوطني الكبير «بلادي بلادي منار الهدى» بصوته ومن ألحانه، وكلمات اللبناني سعيد فياض فيه الكثير من الحضور للغناء الوطني وهذه الأغنية الوطنية كانت قد اجتازت في نجاحها الكثير من خطوط وحدود النجاح في الأغنية الوطنية عندما قدمها بصوته وكان قبلها قد قدم الكثير من الوطنيات لإذاعة جدة ومنها «شمسنا البهية، فديتك أرضي»، من كلمات الراحل أحمد سالم باعطب الذي كتب له أيضا أوبريت «بناة المجد» قدمه بصوته بالاشتراك مع غازي علي. وقدم بصوته أيضا «أيا الباني» الذي كتبه الأمير بدر بن عبدالمحسن و«احلا بلاد» من كلمات الراحل عبدالرحمن حجازي، و«أرض بلادي، أخو الشهيد، شد الشراع فوق السفينة» وهي من كلمات خالد زارع. و«صفحة خضرا، على درب الخير» من كلمات أحمد السعد، و«يقول الشعب» كلمات إبراهيم المقرن، «غني ياتاريخ، مسيرة خير، تريدي ايه يابلدي» كلمات صالح جلال، «بلادي سلمت» كلمات سعد البواردي، «حراس الوطن» كلمات بابا طاهر زمخشري، «اهواك يابلادي» كلمات عابد الجوفي. وكانت من أشهر الأعمال التي قدمها سراج عمر كملحن ذلك النص «حدثينا ياروابي نجد» بصوت محمد عبده وكلمات بدر بن عبد المحسن. الجنادرية والوطن بدأ الغناء للوطن منذ الدورات الأولى في مهرجان التراث والثقافة في الجنادرية وكانت أول وطنية التي انطلقت من المهرجان «الله الأول وعزك يالوطن ثاني» من ألحان وأداء طلال مداح وكلمات بدر بن عبدالمحسن، ثم جاء دور الأوبريتات الوطنية التي كان أولها في الدورة الرابعة للمهرجان في أوبريت مولد أمة من كلمات الأمير سعود بن عبدالله وأداء الثنائي طلال ومحمد عبده اللذين أديا في نفس الدورة واحدة من أجمل الأغنيات الوطنية الثنائية «الله البادي ثم مجد بلادي» من كلمات الأمير بدر بن عبدالمحسن، والكثير من الأعمال الوطنية التي قدمها شفيق في هذا المهرجان، وأوبريت «وقفة حق» للأمير بدر بن عبدالمحسن بصوتي طلال ومحمد عبده. ومن الأسماء الفاعلة بشكل كبير في الغناء للوطن وترجمة المشاعر الجياشة تجاهه الفريق الشاعر أسعد عبدالكريم والشاعر محمود منشي اللذان لا نكاد نرى أو نعيش مناسبة ليوم الوطن إلا وهما يقدمان الجديد له ومع ألحان وموسيقى طلال باغر في الغالب.