الحديث عن قضايا المرأة في بلادنا لا يكاد يتوقف، وكل يتحدث بطريقته الخاصة وبحسب قناعاته الشرعية والاجتماعية وأحيانا الاقتصادية. أما الصغيرات فيكاد الحديث ينحصر في مسائل تزويجهن وانعكاسات ذلك عليهن، لكن الكبيرات يحظين بالحديث عن قضايا متعددة مثل: العمل وظروفه والتميز في الراتب أحيانا، والعنف الأسري، وقضايا الزواج والطلاق، وضياع الحقوق في المحاكم وما أشبه ذلك من أحاديث بدأت وأحسب أنها ستستمر لفترة طويلة لظروف المخاض التي يمر بها مجتمعنا والتي لا أعرف متى سنتهي ولا كيف. وأزعم أنني من أوائل من كتبوا عن هذه الموضوعات في كتابي «رقصة الموت» وهو يتناول بعض أهم الموضوعات التي كانت تعاني منها المرأة السعودية قبل حوالي ربع قرن ولا زال بعضها حاضرا حتى اليوم. وأظن والله أعلم أن بعض الذين يكتبون عن قضايا المرأة لا تهمهم المرأة كثيرا، وأفعالهم التي تطفو على السطح أحيانا مع قلتها تؤكد ذلك، وإنما يدفعهم الموج أحيانا ظنا أن هذا الحديث مما تتطلبه السوق، وهو يتماشى مع مظاهر الحضارة التي يتقمصها البعض أحيانا! وأجد أحيانا أن بعض من يكتب عن المرأة من الرجال والنساء هم من خارج هذه البلاد، ولا يكادون يعرفون شيئا عن قضايا المرأة السعودية ولكنهم ظنوا أن تناول هذا الموضوع قد يفيدهم ويقربهم ففعلوا فجاءت كتاباتهم في واد والحقيقة في واد آخر. الحديث عن تزويج الصغيرات من رجال في عمر آبائهن أو أجدادهن موجود في بلادنا وفي بلاد أخرى، لكنه يبقى قليلا ونادرا ولولا بشاعة الفعل وآثاره السيئة لما تحدث عنه أحد هكذا أظن. قضايا تزويج الصغيرات أو بيعهن أحيانا لمن يدفع أكثر مهما كانت حالته الصحية أو عمره الافتراضي لا يمكن القضاء عليها بالمقالات الصحافية وحدها، ولا بسن القوانين أيضا، لأن هذه المسألة تتشابك فيها فهم البعض للشريعة الإسلامية وفهم قوامة الأب على بناته، بالإضافة للعادات الاجتماعية التي تأخذ حكم الشريعة أحيانا، بل وزيادة عليها أحيانا أخرى. المجتمع بحاجة إلى تثقيف جاد يتناسب مع فهم الناس وعبر كل وسائل الإعلام والتعليم، وكذلك عبر خطب الجمعة والمحاضرات العامة. الصغيرة قد تتزوج أحيانا برضاها ورضى والديها، وقد يكون الزوج في منتصف العمر، وليس بالضرورة أن يفشل هذا الزواج، كما أنه ليس بالضرورة أن يكون الزواج بيعا وشراء. لكنني مع ذلك مقتنع أن الغالبية العظمى من زواج الصغيرات سيكون فاشلا، وأنه لا يجوز القياس على ما كان يحدث أيام الآباء والأجداد فلكل عصر ظروفه الخاصة، ومن أجل ذلك فإنني أميل إلى سن قوانين تحمل شيئا من المرونة في إمضاء هذا النوع من الزواج أو إيقافه، كما أن ثقافة المجتمع في غاية الأهمية للتقليل منه على أقل تقدير. وللقضاة في قضية المرأة دور كبير سواء أكانت صغيرة أم كبيرة، وهنا يأتي دور وزير العدل ليحسم هذه المسألة مع القضاة الذين قد يضيع بعضهم حقوق المرأة بالمماطلة وإضاعة الوقت أو الأحكام التي لا تتفق مع بشاعة الجريمة أحيانا. الزوجة أحيانا تتعرض للعنف الجسدي من زوجها وفي الشارع العام، هذا الزوج ينبغي أن يتعرض لحكم يتفق مع بشاعة العمل الذي قام به وبسرعة لكي يكون عبرة لسواه. الزوج الذي يطلق زوجته ثم يهمل أولاده الذين يعيشون معها، أو الذي يعلق زوجته لا هي عنده ولا هي مطلقة، أو الذي يسيء معاملتها، كل هؤلاء يجب أن يلاقوا عقابا يتناسب مع أفعالهم، وهنا يأتي دور القضاة والأنظمة في إنصاف المرأة وقضاء أمورها بالسرعة اللازمة. قضايا المرأة ليست محصورة فيما سبق أن أشرت إليه، فهناك قضايا أخلاقية تفسد حياة الشباب من الجنسين، تشارك فيها الفتاة كما يشارك فيها الفتى، هناك قضايا الإعلام وتأثيراتها السلبية، قضايا الجامعات والقبول فيها، قضايا العمل وأماكنه وتأثير ذلك على الحياة الأسرية للمرأة. هذه كلها تحتاج إلى وقفات جادة لبحثها بموضوعية لتستفيد منها المرأة والرجل إذ لا يمكن فصل بعضهما عن البعض الآخر، وبعد ذلك كله نتطلع إلى إصلاح مجتمعنا.. نحتاج إلى وقت لكن علينا أن نبدأ بخطوات علمية واقعية وعندها نتوقع نتائج إيجابية؛ هذا إذا تعاون المجتمع كله على الوصول إلى هذا الهدف.