لم تكد قضية «طفلة عنيزة» تطوى، بكل ما رافقها من صخب إعلامي، ونقاشات ساخنة، حتى عاد ملف «زواج الصغيرات» ليفتح من جديد، لكن هذه المرة من شرق البلاد، وتحديداً من الخبر، إذ تنتظر هذه المدينة بعد أسبوعين زواج آمنة محمد (10 أعوام)، من عريسها، الذي يكبرها ب15 عاماً. وعلى رغم أن آمنة لا تزال تدرس في الصف الخامس الابتدائي، إلا أن والدها عقد قرانها على عريسها قبل أربعة أشهر، فيما تحدد مبدئياً، موعد الزفاف بعد أيام. ويبدو أن هذا الزواج في طريقه إلى الاكتمال، في ظل عدم وجود معارضة له داخل أسرة الطفلة، التي يخشى والدها أن تلتحق ب»قطار العنوسة»، فقرر تزويجها مبكراً، وربما يكرر الأمر مع أربع من شقيقاتها، اللاتي يصغرنها. بيد أن معارضة «قوية» لهذا النوع من الزواج تتصاعد في المجتمع السعودي، منذ بروز قضية «طفلة عنيزة» إعلامياً، قبل نحو تسعة أشهر، حين لجأت أم الطفلة (ثمانية أعوام) إلى محكمة عنيزة، طالبة فسخ عقد قران ابنتها من زوجها، الذي يبلغ من العمر 47 عاماً، وقد زوجها له والدها لتسوية ديون مترتبة عليه. وبعد أخذ ورد قضائي، كان الحكم لصالح الزوج، الذي قرر فسخ عقد القران، بعد جهود ووساطات. وفي الخبر ذاتها، التي ستشهد تزويج آمنة، كان لافتاً رأي رئيس المحاكم العامة فيها الدكتور صالح عبد الرحمن اليوسف، الذي أدلى به خلال اجتماعه مع 14 من مأذوني الأنكحة، مشدداً على «عدم تزويج صغار السن والقاصرات، باعتبار أن المعول عليه في تزويج البنات هو الضابط الشرعي القائم على حق القبول أو الرفض». كما شدد اليوسف، على «نصح الآباء بأن تلك الزيجات التي تتم لصغيرات السن تُعد مخالفة لحقوق الطفل الدولية، التي وقعت عليها المملكة العام 1996، فضلاً عن معارضتها حقوق المرأة التي انضمت إليها المملكة العام 2000». ولا يعد رأي الشيخ اليوسف «فريداً» في هذا الصدد، إذ قال المدير العام لمأذوني الأنكحة في وزارة العدل الشيخ محمد عبد الرحمن البابطين، إن وزارته «بدأت بحث السن القانونية لزواج الفتيات القاصرات»، مؤكداً أن لدى مأذوني الأنكحة «تعليمات واضحة وصريحة، بعدم إجراء أي عقد إلا بعد استئمار المرأة الثيب، واستئذان البكر، لضمان الرضا بين الطرفين». وأوضح البابطين، أن «العقوبات التي تتخذها الوزارة في حق المخالفين تصل إلى إلغاء رخصة المأذون أو إيقافها لمدة عام، أو الإنذار على أقل تقدير». فيما رأى عضو المجمع الفقهي الإسلامي الدكتور محمد النجيمي، أنه «لا يجوز تزويج الفتاة القاصر دون سن ال15»، مستشهداً بقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم «تستأذن البكر، وتستأمر الثيب»، مؤكداً أنه «يحق لولي الأمر أن يمنع زواج القاصر، من باب السياسة الشرعية، ولا يجوز تزويج القاصر إلا بموافقة القاضي وولي أمرها، مع تشكيل لجنة طبية تفيد بأنها تصلح للزواج، وأن الزواج قد يكون في مصلحتها». ولفت النجيمي، إلى أن من أجاز تزويج القاصرات، بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم، تزوج عائشة في سن التاسعة، فإن ذلك «أمر لا صحة له، فزواج الرسول عليه الصلاة والسلام من عائشة في هذه السن يُعتبر من خصائصه. كما أن ذلك كان قبل حديثه عليه الصلاة والسلام «تستأذن البكر وتستأمر الثيب»، إضافة إلى أن هذه قضية عين، وقضايا العين لا يقاس بها». بدوره، أكد المستشار في الديوان الملكي الشيخ عبد المحسن العبيكان، «حق ولي الأمر إلزام الناس بأحد طرفي المباح، للمصلحة، كما قرر العلماء»، مشيراً إلى «تغير المقاصد، وتوجه بعض الآباء لتزويج بناتهن لمصلحة شخصية، أو مادية، أو لإغراءات متنوعة، بغض النظر عن مصلحة الفتاة». ودعا إلى «منع تزويج الصغيرات تحت سن ال18، سداً لهذه المفاسد، والتأكيد على القضاة والمأذونين الشرعيين التقيد بهذا الأمر». ووصل الجدل حول زواج الصغيرات، إلى مجلس الشورى، إذ اعتبر رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة في المجلس الدكتور طلال البكري، زواج الصغيرات «شكلاً آخر من تجارة الرق»، داعياً إلى «وضع حد لهذه الظاهرة».