بلا مقدمات، اعتبر عضو هيئة حقوق الإنسان الشيخ عبدالعزيز الفوزان، الترويج إعلاميا لزواج القاصرات إساءة إلى الوطن، معتبرا الحالات فردية ولا يجب المبالغة فيها. لكن في الاتجاه الآخر تصر القائمات على حملة مناهضة زواج الصغيرات أن رصد 20 حالة خلال ثلاثة أعوام، كفيل برفع الصوت عاليا، للمطالبة بحماية القاصرات من بطش أولياء الأمور، ويرين أنها ظاهرة ولو أبى البعض. فيما بات مصطلح «ظاهرة» بين الشد والجذب، وما بين مؤيد ومعارض، في ظل عدم التوصل حتى الآن لنظام واضح يحسم الخلاف على تحديد سن الزواج، ليبقى الأمر مجرد اجتهادات فردية تتوافق مع معتقدات وأفكار مأذوني النكاح أحيانا، والقضاة في أحيان أخرى. لكن الأبرز في الأمر هو ظهور مصطلح جديد اسمه الاتجار، حيث أعلن قاض في المحكمة العامة بالقطيف، أن المحاكم تتعاطى مع زواج الصغيرات تعاطيا إيجابيا «تنظر لها على أنها اتجار حاصل وإساءة الولي إلى ابنته ومن الزوج إلى الزوجة الصغيرة». وإذا كان المصطلح تحول في ردهات المحاكم من مجرد ظاهرة إلى اتجار، فهل بات تداوله إساءة كما يقال؟ نعم ظاهرة إحدى القائمات على حملة ضد زواج الصغيرات فوزية العيوني، ترى أن تهميش القضية لهذا الحد، لا يخدم القاصرات، «الأمر ظاهرة ضاربة في عمق المجتمع السعودي منذ القدم، والفارق هنا أن المجتمع تغير، ووضع المرأة تغير، علاوة على تغير الوعي الاجتماعي برمته؛ لذا ظهر الاستنكار من هذه الظاهرة الآن، فالمجتمع يعاني من قضيتين ذواتي صلة وثيقة بالمرأة، وهي عضل الفتيات وتزويج الصغيرات، وأؤكد وقوفي الكامل ضد زواج الصغيرات، لأنني متعاطفة مع الصغيرات، حتى لو كانت واحدة سأقف معها، ولن أقف مع قضية عضل البنات؛ لأن الوقوف مع العاجزات عن التعبير أولى، فيما الكبيرة التي يعضلها أبوها قادرة، وإن لم تدافع، فنحن لسنا مسؤولات عنها». خدمة أم إساءة؟ وترى فوزية أن غياب الثقافة الحقوقية عند الكثيرين «يجعلهم يتعاملون مع نبرة الإساءة إلى الوطن، فالوطن يساء إليه عندما تنتهك حقوق المواطن، لكن أن نعري المشاكل ونفضحها، وأن نكشفها ونبحث عن الحلول فهذا خدمة للوطن وليست إساءة، والذين يتزوجون من صغيرات يسيئون إلى الوطن بارتكاب هذه الجرائم على الصعيد المحلي، وتشويه صورة الإسلام على الصعيد الخارجي وبروز القضية في هذه المرحلة خطر يجب الوقوف بوجهه، وربما لا تمثل ظاهرة عند بعضهم، ولكن السؤال هنا: هل يريدون منا أن نقف مكتوفي الأيدي حتى يتحول زواج الصغيرات إلى ظاهرة بمفهومهم؟ وما المعيار الذي يتبنونه لتحديد ذلك، آلاف أم عشرات الآلاف من الحالات؟». واعتبرت الأمر يرتقي للمطالبة بأهمية سن قانون لتحديد سن للزواج، «لا شيء يقف في وجه الإنسان سوى النظام، لا بد من سن نظام يحدد سن زواج الفتاة». رصد وتحرٍّ وأوضحت أنهن في الحملة يجمعن ما ينشر بالصحف من حالات منذ عام 2007، «نرصد كل الحالات التي تنشر، ونتواصل معها، وآخرهم فاطمة بنت نجران، وتحدثت مع أسرتها، فعدد حالات تزويج الصغيرات وصل إلى 20 حالة على مدى ثلاثة أعوام، وغالبا تنشأ في البيئات المتخلفة اقتصاديا ومعرفيا، وأتصور أنه ربما ساهمت الأزمة الاقتصادية في ذلك، حيث إن معظم الحالات التي رصدناها وتواصلنا معها تقف وراءها المادة، أو الخوف من ذهاب الإرث». وبينت، «بدأنا الحملة بوصفنا عضوات جمعية الدفاع عن حقوق المرأة منذ عام 2007، حيث نزلنا الميدان وقمنا بتصوير مقطع فيديو على اليوتيوب، استطلعنا آراء عينة عشوائية من الفتيات، تتراوح أعمارهن بين ستة أعوام إلى 20 عاما، كانت إجابة أغلب البنات تدور حول صغر سنهن، وعدم قدرتهن على إنشاء أسرة وتربية أطفال، كونهن ما زلن في حاجة إلى تربية». ليست ظاهرة لكن القاضي في المحكمة العامة بالقطيف الشيخ عبدالله البهلال، وقف مع تقليل شأن الأمر، نافيا بلوغه حد الظاهرة في المجتمع، وإن اعترف بما أفضى له من تبعات اجتماعية سيئة على الفتاة ذاتها «كونها حالات شاذة موجودة في المجتمع نقلها الإعلام هنا وهناك، فنجد حالة في القصيم مثلا، وأخرى في الغربية، وحالة في الجنوب، وقد لا نجد مثل هذه الحالات في الرياض أو الشرقية، وأسباب هذه الزيجات يعود إلى الثقافة المجتمعية التي جبلت عليها المناطق، التي يحصل بها زواج لفتيات صغيرات ،علاوة على أن غالبية هذه الحالات تحصل في البيئات التي تعاني من الضعف المادي للأسرة، إلى جانب الضعف المعرفي». اتجار بالفتيات واعتبر البهلال الأمر اتجارا بالفتيات، «المحاكم تتعاطى مع زواج الصغيرات تعاطيا إيجابيا، تنظر لها على أنها إتجار حاصل وإساءة الولي إلى ابنته، ومن الزوج إلى الزوجة الصغيرة، لكن غالبا تأتي هذه القضايا للمحاكم بعد إتمام الزيجة، وتكون الفتاة راغبة في فسخ النكاح، وهي غالبا قضية اجتماعية، وليست دعوى قضائية؛ لذا نادرا ما تصل إلى أروقة المحاكم». ولفت إلى الآثار السيئة التي يخلفها زواج الصغيرات على الفرد والمجتمع؛ «ما يجعل الفتيات يهربن من الضغوط الاجتماعية الواقعة عليهن إلى ممارسات شاذة وانحرافات سلوكية، وأتذكر دعوى قضائية عندما كنت قاضيا في منطقة مكةالمكرمة، رفعتها فتاة تبلغ 16 عاما، تريد فسخ نكاحها من زوجها البالغ من العمر 66 عاما، الذي عقد عليها، وعمرها لا يزال 12 عاما، مقابل عقار في جدة يحصل عليه والدها الذي يعمل موظفا، وتعتبر أكبر أولاده، وذكرت في دعواها أن أحفاد الزوج وحفيداته، أكبر منها، ويوصمونها بجملة من الألفاظ السيئة، علاوة على عدم منحها حقوقها الزوجية، فأعطيتها موعدا قريبا بعد السماع لتفاصيل القضية منها للحضور بعد أسبوعين، لكن مضت المدة ولم تأت الفتاة المدعية، ولا المدعى عليه، فحفظت المعاملة وبعد ثلاثة شهور، وردتني معاملة تصديق اعتراف من الشرطة، وأحضروا فتاة، اتضح أنها هربت من بيت زوجها وأهلها، وذهبت بعيدا لتسكن شقة مع 16 فتاة في جدة، تخرج كل يوم مع شاب، تعاطت على أثر هذه الأجواء المخدرات، وواصلت المباحث تحرياتها لأكثر من شهر، حتى اكتشف أمرها، بعد اتصال أجرته مع أهلها، لتطمئنهم على حالها، فتم التوصل إليها من خلال صاحب الهاتف، وتم القبض عليها مع 16 فتاة أخرى في شقة واحدة». لا للمقارنة ويرفض البهلال المقارنة بما كان عليه المجتمع قبل 50 عاما، حيث كان سن زواج الفتاة صغيرا، وما عليه الآن، لافتا إلى التغير الاجتماعي المتسارع الذي طرأ على المجتمع، والحالة الاقتصادية في الماضي، «وما تربت عليه الفتاة من شظف العيش، وما ولد لديها صفات الصبر، التي أوصلتها إلى سن نضج اجتماعي، أما الآن فلا مقارنة بين فتاة اليوم ونظيرتها قبل 50 عاما». وطالب البهلال بعدم السماح لمأذوني الأنكحة بعقد نكاح لمن عمرها دون سن معين، تحدده وزارة العدل وولي الأمر، «ومن أراد أن يزوج فتاة صغيرة تحت السن التي يتم تحديدها يكون تزويجها عن طريق المحكمة، مراعاة للمصلحة، وعليها أن تأتي للقاضي ويسألها عن رأيها صراحة، ويرى إذا كانت صالحة للزواج من عدمه، أو يرجئ عقد النكاح لما بعد عام أو عامين، وربما المطالبة بتحديد سن للزواج تكون صادمة للمجتمع، ولن يتقبلها بصدر رحب على عكس البدء بتضييق زواج الصغيرات عن طريق المحاكم، ضمن آلية يتم تحويل الفتاة فيها إلى المختصين لقياس مدى قدرتها على الإقدام على الزواج، مع رفع أداء المحاكم سواء أعداد القضاة وتأهيل الخبراء ومعاوني القضاة». 1 % وشدد القاضي مطرف البشر على سلامة أكثر من 99 % من الزيجات في المجتمع السعودي، وفي سن مناسبة، لتبقى نسبة 1 % لحالات شاذة وفردية تم معالجتها عن طريق المحكمة أو عن طريق تدخل أحد أفراد الأسرة العقلاء, مشيرا إلى أنه على مستوى المملكة لو تم حصر الحالات الموجودة من زواج الصغيرات سيتضح أنها حالات فردية ولا تمثل المجتمع السعودي فعليا، وتم معالجة أغلب الحالات التي ظهرت في القصيم أو الجنوب، «ويجب حين طرحها أن يشار إلى أنها حالات فردية، حتى لا يساء الفهم بأن هذه عادة المجتمع السعودي، لكنني أؤيد تحديد سن لزواج الفتيات، على أن تترك مساحة معينة، بحيث لا يكون إجباريا إلا برضا الفتاة رضا تاما، لا يخالجه ولا يخالطه أي شك، وألا تكون واقعة تحت أي ضغط ظروف أسرية أو مالية، وأن يعقد نكاح لمن تحت السن عن طريق القضاة وليس عن طريق المأذونين». لا حالات واستبعد البشر عقد نكاح للقاصر، «مستحيل عقد نكاح لقاصر عن سن الأحداث الذي حدد عالميا ب 18 عاما، ولكنها مكلفة وبالغة، ولكن لا يتم إجراء لعقد ما دامت لا تعي ولا تدرك الحياة الزوجية، وأجزم بعدم وجود حالات لزواج صغيرات بالشرقية، فلم تمر علينا حالات بالمنطقة، ولم نسمع عنها، إنما كانت هناك اتصالات أخذت طابع الاستشارات، يتم بها مناصحتهم وتأخير تزويج الفتاة لسن تكون قادرة على استيعاب الحياة الزوجية، وتكوين أسرة مستقرة، وهناك حالات غير سعودية يتم نصحهن وإرشادهن» .