الوقفة الأولى: إن أمم الأرض كلها تتفاخر بنزاهة قضائها واستقلاليته، سواء أكان هذا التفاخر حقيقة أم غير ذلك، ونزاهة القضاء يطيل في عمر الدول ويسهم في تقدمها وازدهارها، لأن المواطن إذا كان يشعر أنه سيجد العدل في قضاء بلده عندما يفقده في أي مكان آخر فسيبقى مخلصا لهذا البلد، أما إذا فقد العدل في آخر معاقله «القضاء» فلن يجد حب الوطن إلى قلبه سبيلا. من أجل هذا كله لا بد من المحافظة التامة على هذا الاستقلال، والقضاة هم من يصنعون ذلك. الوقفة الثانية: يتحدث البعض حاليا عن أهمية إخراج نظام مقنن للأحوال الشخصية يضبط كثيرا من الحالات التي يختلف فيها قاض عن آخر، والذي يتكفل بحفظ حقوق جميع الأطراف لاسيما المرأة باعتبارها الطرف الأضعف غالبا . هذه المطالبات محقة وأنا معها ولكن هناك شيئا لا بد من عمله قبل إقرار هذا المشروع.. هذا الشيء كما أراه هو عرض المشروع على نخبة متميزة من القضاة لمعرفة رأيهم فيه، لأنهم في نهاية المطاف هم الذين سيتعاملون معه، فإذا كانوا أو بعضهم غير مقتنع به سيصعب عليهم تطبيقه، لأن المسألة هنا شرعية وليست مجرد اجتهاد في مسألة إدارية.. ومعظمنا يدرك النقاش الطويل حول مسألة تزويج الصغيرات، وأن الغالبية حسب ما ينشر مع تقييد سن الزواج في حدود ثمانية عشر عاما، ولكننا قرأنا رأي فضيلة الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء الذي رفض هذه الفكرة من أساسها ورأى جواز تزويج الصغيرة إذا كان والدها يرى ذلك!!، والشيخ حفظه الله لا يمكن الاستهانة برأيه، ولعل غيره يرى مثل هذا الرأي .. ولهذا لا بد من عرض المشروع على نخبة من القضاة ثم اتخاذ الرأي المناسب في مشروع تقنين قانون الأحوال الشخصية ليسهل تطبيقه ولا يحدث لغط بسببه.. ولعلي أذكر هنا بما حدث من جدل كبير حول نظام المرافعات الشرعية، حيث عارضه البعض بحجة أنه خرج دون أن يأخذ حقه من المراجعة من القضاة المختصين.. الوقفة الثالثة: الأربعاء الماضي كان حديث «طاش ما طاش» عن القضاء وعن بعض أنواع الفساد عند القضاة، ومع أن وجود فساد عند بعض القضاة أمر لا أشك فيه، إلا أن تعميم ذلك على الجميع كان أمرا سيئا، ولو أن من كتب النص أكد أن هذا الفساد عند البعض لأدت الحلقة هدفها بنجاح. الذي أود قوله: إن القضاة بشر يخطئون ويصيبون، ولكن مجتمعنا يستعظم أخطاء القضاة، خاصة إذا كانت من النوع الثقيل ولكني أعرف أن التفتيش القضائي يقوم بدور كبير في مراقبة أحكام القضاة ويصحح الخاطئ منها. الوقفة الأخيرة: أحسن ديوان المظالم في إنهاء موضوع مساهمات «جمعة الجمعة» حتى وإن تأخر هذا الموضوع عدة سنوات، ونأمل من معالي وزير العدل ومعالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء أن يحسنا أيضا في إنهاء قضايا المواطنين المتعلقة بالمساهمات، والتي مضى عليها زمن طويل وهي تدور في أروقة المحاكم، ولكننا لا نريد هذا الإحسان أن يستمر لسنوات، فقد مضت سنوات كافية تجرع فيها المواطنون السم الزعاف من تأخير حقوقهم..