فلنرجع البصر كرتين... لم يشأ سلفاكير ميارديت ألا يعتمد الصراحة عندما قال في آخر أكتوبر 2009م في كلمة ألقاها في كاتدرائية تيريزا في مدينة جوبا: « إن مهمتي تقضي قيادتكم إلى استفتاء 2010م، إن هذا اليوم قريب جدا، وإنني على ثقة بأننا سنشارك فيه. ولديكم الفرصة للاختيار بين أن تكونوا أحرارا في وطنكم، أو تكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في بلد موحد». بل، وأمعن القيادي في الحركة الشعبية إدوارد لينو في استدعاء سريرته، حين طالب سكان جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق بمناهضة حكومة المركز والخروج عليها. فلنرجع البصر ... ونتساءل: هل يكفي زئير الأسد لقتل الفريسة؟ رهط من قادة الجنوبيين يستهويهم بريق الانفصال، حتى أن بعض التقارير الدولية أشارت إلى أن معهد (ماكس بلانك) الألماني أنجز مسودة دستور دولة الجنوب. وهنا تأتي عين العاصفة: هل الانفصال سيؤدي إلى الاستقرار؟ حقيقة، أن انفصال جنوب السودان عن شماله، خطر استراتيجي داهم على أمن المنطقة برمتها، وتحديدا على مصر والسودان، وسيبقى التوتر السياسي والاستنفار الأمني والعسكري قائما ومستنزفا لاقتصادات الحكومة ومقدراتها التنموية. وربما تستدرج إلى حرب أخرى تنازعا على الحدود، منابع النفط، موارد الماء أو غيرها. وبالتالي،لن تطوى هذه المرحلة من التاريخ إلا بعد أن يروض السودان وتنهب خيراته، ويتقلب فوق جمر «الفوضى الخلاقة»، وفق ماخرجت به الإدارة الأمريكية السابقة من تجليات. إذن، فالحل السياسي ليس في بتر الجنوب من الجسد السوداني، بل في استنباطه بعيدا عن عبث مجموعة قليلة مستقوية بدول بعيدة، لها مآرب تتجاوز حدود الجنوب المتنازع عليها أصلا. وحري بنا الانحياز إلى المفهوم الدال على أن لا يكون التخلي عن أرض تابعة لدولة ذات سيادة، لها رعية طوعيا، بل دون ذلك مهج وأرواح، وليس هذا استقداحا تحريضيا، إذ لا عذر حتى في وجود العجز. فلنرجع البصر ... نعم، لزاما كان تجذير الانتماء والتربية الوحدوية بدلا من حديث المدافع منذ عقود، خاصة بعد التوقيع على اتفاقية «نيفاشا». ولكن لم يفلت الأمر من زمامه بعد، والعبرة بقوة النهاية، وليس بنقص البداية. أما ذهنية الإحباط واليأس التي قد يثيرها بعض هواة الفلاشات ومراهقي السياسة، لن تغير شيئا من ملموس الواقع، وستعزز من روح الانصهار أكثر من التمزق والاستشهاد ب «توريت». إن الشعب السوداني على وعي بخياراته الانتخابية، بيد أننا نستشف أن جميع الخيارات السياسية المطروحة شمالا وجنوبا، والتي تزعم «فضائيا» امتلاك ناصية صياغة الدولة، وتسعى نحو النهوض على المركز، تتجه جميعها نحو توريط البلاد، ودفعها نحو متاهة تجريدها من انصهارها، وانتزاعها من ملاذاتها العقدية، الحضارية واللغوية. فلنرجع البصر ... السودان أمام نازلة خطيرة وكامنة، ولا ينبغي على كل حادب من الانتلجنسيا الوطنية، أن يمط شفتيه ويضرب كفا بكف، وأن يظل مجرد متابع للأحداث، بل أن يرد بدور في إعادة صياغة الوعي وصناعة الرأي العام وتوجيهه، والرائد لا يكذب أهله. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 242 مسافة ثم الرسالة