وضعت زيارة الأمير سلمان بن عبد العزيز إلى العاصمة نيودلهي، لبنة جديدة في الشراكة الاستراتيجية السعودية- الهندية، التي أرسى قواعدها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال زيارته التاريخية التي قام بها عام 2006، والتي تم التوقيع خلالها على إعلان نيودلهي، ودشنت دبلوماسية الاتجاه إلى الشرق على يدي الملك عبد الله بن عبد العزيز، عندما زار كلا من الصين، ماليزيا، الهند وباكستان، وأعقبتها زيارة رئيس الوزراء الهندي مان موهان سينج للمملكة في فبراير الماضي، التي أتت بعد ربع قرن من آخر زيارة قام بها رئيس وزراء هندي للمملكة، وتمخض عنها إعلان الرياض ليشكل نقطة انعطاف إيجابية نحو تعميق الحوار السعودي- الهندي. إن زيارة الأمير سلمان إلى نيودلهي لم تكن زيارة بروتوكولية، بل جهد يساهم في توسيع قاعدة الشراكة الاستراتيجية في جميع الميادين. واستقبلت العاصمة الهندية أمير منطقة الرياض، بحفاوة وحميمية بالغة، تجسدت في سلسلة اللقاءات المهمة التي عقدها مع الرئيسة الهندية براتيبها باتيل، نائب الرئيس محمد حامد أنصاري، وزير الخارجية الهندي إم. كريشنا، بالإضافة إلى لقائه مع رجال الأعمال الهنود، وزيارته للمدرسة السعودية، ومنحه درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة مليه الإسلامية، التي تعتبر من أعرق الجامعات الهندية؛ تقديرا لجهوده في دعم المشاريع الإنسانية. وأكدت مختلف الدوائر الهندية السياسية والاقتصادية، أن الزيارة حققت قفزة نوعية في دعم مسيرة التعاون بين البلدين الصديقين، وكرست مبدأ تنمية التفاهم وتعزيز الشراكة في إطار المصلحة البينية والصداقة الوثيقة التي تجمع الشعبين، كما شكلت، بحسب المراقبين الهنود، بعدا إضافيا في مفهوم تبادل الزيارات بين البلدين، وفق ماجاء في إعلان الرياض ونيودلهي لتطوير العلاقات السعودية- الهندية. ويؤكد المراقبون في العاصمة الهندية، أن الرياض ونيودلهي تمتلكان مؤهلات سياسية، اقتصادية، ثقافية ونفطية هائلة، يمكنهما من لعب دور ثنائي على مستوى منطقة جنوب آسيا والشرق الأوسط، حتى في المحيط العالمي، باعتبارهما دولتين تحظيان بالاحترام والتقدير؛ إقليميا وعربيا ودوليا، وتسعيان لتحقيق الأمن والسلام ليس فقط في المنطقة بل في العالم، كما أنهما يستطيعان بالقيام بالمزيد من التحركات الجدية والعملية لكبح جماح الإرهاب الذي عانتا منه. ويعتبر الهنود الذين يعيشون هاجس الإرهاب المقبل عبر الحدود، على حد تعبيرهم، سرطانا مدمرا ويمثل خطرا حقيقيا يهدد أمن ومصالح بلادهم، ويعتقدون أن مواقف البلدين حيال نبذ ومكافحة هذه الآفة منسجمة تماما، وتؤكد على ضروة مكافحة العنف وتكريس ثقافة الحوار والاعتدال والوسطية والتعايش السلمي. ويري مسؤول هندي رفيع تحدث ل«عكاظ»، قائلا: إن الإرهاب آفة تهدد البشرية جمعاء، مؤكدا أن الحاجة ماسة لتكثيف وتنسيق التعاون الثنائي والإقليمي والدولي لمكافحته واجتثاثه، والوصول إلى اتفاقية شاملة حول الإرهاب الدولي في الأممالمتحدة. ويعتقد برادين جين -وهو مختص في الشؤون الاجتماعية- أن الرياض ونيودلهي تجاوزتا مرحلة استشراف آفاق العلاقات، ودخلتا في صلب الشراكة الاستراتيجية، مؤكدا أن في المملكة أكبر جالية هندية تصل إلى 1.8 مليون؛ وهم يقومون بإرسال مبالغ كبيرة إلى الهند. وأفاد أن دعوة الأمير سلمان في خطابه الذي ألقاه في حفل رجال الأعمال الهنود، كانت واضحة وصريحة أكد فيها على ضرورة التعاون مع قطاع الأعمال في المملكة ودعوتهم للمشاركة في الاستثمار في جيمع المجالات الاقتصادية والتجارية. أما إم. جوبتا، قال إن الهند الجديدة، دولة سياسية قوية، ترتكز على اقتصاد متين ومتنامٍ، تعززه بنية تحتية صلبة، مكنتها من تجاوز أزماتها الداخلية، والصمود في وجه انعكاسات الأزمة المالية العالمية، يضاف إلى كل ذلك الدبلوماسية الهندية الخارجية القوية والمؤثرة في مستقبل العلاقات الدولية وتستطيع الهند في ثوبها الجديد، عبر التعاون الوثيق مع المملكة، في لعب دور مهم على الخريطة السياسية العالمية. وتابع: إن الهند تعتبر رابع أكبر شريك في التبادل التجاري مع السعودية، فيما تحتل المملكة الترتيب ال15 بالنسبة لأكبر الأسواق التي تتعامل معها الهند. وأردف: إن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ خلال عامي 2003 و2004م نحو 6.6 مليار دولار، تتضمن 4.7 في المائة قيمة واردات النفط التي تستوردها الهند من السعودية، والبالغ 35 في المائة من مشتقات النفط السعودي الخام. وخلص إلى أن زيارة الأمير سلمان إلى الهند، التي التقى خلالها الرئيسة الهندية بارتبيها باتيل، نائب الرئيس محمد حامد أنصاري، وزير الخارجية الهندي إم. كريشنا، ورجال الأعمال الهنود، ما هي إلا تتويج للجهود المخلصة التي بذلت نحو تحقيق المزيد من التقارب وتوثيق الصلات بين البلدين والشعبين الصديقين، ومؤشر حقيقي إضافي للحراك الإيجابي في الحوار السعودي- الهندي الاستراتيجي. من جهة أخرى، استقبل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض في مقر إقامته في دلهي أمس نائب رئيس مجلس الشيوخ بالجمهورية الهندية رحمان خان. وثمن خان مواقف المملكة بقيادة خادم الحرمين وسمو ولي عهده الأمين على المستوى الدولي وبخاصة في علاقاتهما المتميزة مع الهند. فيما عبر سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز عن تقديره لهذا اللقاء في إطار ما يجمع المملكة والهند من روابط وتنسيق وتفاهم في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها. إلى ذلك شرف صاحب السمو الملكي الأمير سلمان أمس، حفل عشاء أقامه سفير خادم الحرمين لدى الجمهورية الهندية فيصل بن حسن طراد تكريما لسموه والوفد الرسمي المرافق في زيارته الحالية للهند. وحضر الحفل نائب رئيس مجلس الشيوخ الهندي رحمان خان ووزير الدولة لسكك الحديد أي أحمد وعدد من كبار المسؤولين وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الهند وأعضاء سفارة المملكة والملحقيات التابعة لها. وتشرف أبناء المملكة المبتعثين للدراسة في الهند بالسلام على سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز، حيث أحاطهم بكريم اهتمامه وحنوه.