يبدو لي أحيانا أن للكتب حظوظا كما للبشر! ففي بعض الأحيان تجد كتابا اشتهر وانتشر وناله من التقريظ والاستحسان أضعاف أضعاف ما يستحق، وكتابا آخر ظل ملقى في زوايا الإهمال والتناسي على ما فيه من الجودة والقيمة! كتاب شارع العطايف، رواية عبدالله بن بخيت الأخيرة، هو نموذج للكتب عديمة الحظ، أو لنقل من الكتب ذات (الحظ الطايح)، فهو حتى حصى الرجم الذي تساقط عليه لم ينله منه نفع يذكر كما يحصل عادة لبعض المرجومين، حين تتراكم تحت أقدامهم الحجارة فترفعهم أمتارا بعيدة إلى السماء. الكتاب يصور ببراعة تفاصيل الحياة الاجتماعية والثقافية التي كانت قائمة في أحد أحياء الرياض الشعبية القديمة قبل خمسين عاما تقريبا، بكل ما فيها من خير وشر، وقد ساعد المؤلف على ذلك ثقافته الواسعة بطبيعة حياة المشردين والبائسين والمنحرفين ممن ضمهم ذلك الحي، فاستطاع أن يعري الفساد والظلم الخفي الواقع على تلك الفئات. تتكون الرواية من ثلاثة فصول، يخيم عليها جميعها طابع التعاسة والبؤس، فمن خلال (فحيج وشنغافة وسعندي وبنت مستورة ومعدية) وغيرهم من شخصيات الرواية، تظهر لك الصور متداخلة حيث يبدو الظالم مظلوما، والقاهر مقهورا، والمعتدي ضحية. أبطال العطايف الذين لا يعرفهم الناس لا من خلال ما يظهر من تصرفاتهم المنحرفة وخطاياهم المتعددة، هم في خفايا حياتهم ضحايا المجتمع، ضحايا الفساد والقهر والحرمان، وحين تنصت لأنين قلوبهم وترى تفطر الجروح في ثناياها، لا تملك سوى أن تعترف أن أبطال العطايف بكل ما فيهم من خزي هم صناعة مجتمعية ليس إلا! أما إن كنت ممن حرم من الرؤية الإنسانية، فإنك ستجد نفسك تموج بالسخط، فيعمي الغضب بصيرتك فما تعود ترى سوى ما كان طافيا على السطح، فتثور لتكرر مشاهد الجنس والشذوذ والخمر والفساد بصوره المتنوعة، وسترى في إبداء العورات خروجا على الأدب وإساءة للأخلاق ولن تستطيع التوقف لحظة لتدرك الحقيقة المؤلمة، وهي أن ما تنقله إليك الرواية ما هو إلا جزء من الواقع المتدثر بثياب النفاق والزيف، وأن ما يشتعل في داخلك من رفض لتعرية سوءات المجتمع، ليس إلا بقايا (ثقافة النعام) تلقي عليك بأردانها فتدفعك إلى التشبث بالغضب والانكار. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة